سريلانكا في وضع لا تحسد عليه لتأمين برنامج صندوق النقد الدولي السابع عشر الذي يمكن أن يكون الأخير. غير أن الحصول عليه لا يمكن النظر إليه على أنه إنقاذ مالي وإنما باعتباره فرصةً لاستعادة البلاد مصداقيتَها في الأسواق المالية الدولية وخطوةً أولى نحو التعافي الاقتصادي. أما بخصوص الشروط، فسيتعين على الحكومة السريلانكية تَبنِّي عدة إصلاحات من قبيل زيادة العائدات العامة، وإدارة نفقات الدولة، ومعالجة مشكلة الشركات المملوكة للدولة التي تُراكم الخسائر، وهي إصلاحات انطلق بعضُها منذ مدة. غير أن هذه الإصلاحات لن يُكتب لها النجاحُ إلا إذا انكبَّت الحكومةُ على معالجة مشكلتي الحكامة الجيدة والامتثال للقانون، اللتين يبدو أنهما السببان الأصليان للأزمة الاقتصادية السريلانكية. وتَلقَّى البلدُ الموافقةَ على برنامج «تسهيل مالي ممدد» بقيمة 2,9 مليار دولار، ستصرف على مدى أربع سنوات تقريباً. وتم الانتهاء من الاتفاق حول البرنامج بعد 200 يوم تقريباً من توصل سريلانكا لـ«اتفاق على مستوى الموظفين» مع صندوق النقد الدولي في سبتمبر 2022. 
الرئيس رانيل ويكريميسينغه شدد في خطاب خاص أمام البرلمان على أن الإصلاح والتقشف يمثلان الطريقَ الوحيد بالنسبة لسريلانكا للتقدم نحو الأمام، مشيراً إلى أنه سيتعين تبنِّي العديدَ من الإصلاحات الاقتصادية خلال هذه العملية لبدء مرحلة جديدة. كما قال إن سريلانكا تجتاز حالياً ظروفاً صعبةً وإن النجاحَ لا يمكن تحقيقُه إلا من خلال هذا الطريق الصعب. كما اعترف بأن المعاناة والحرمان ليسا حكراً على بعض قطاعات المجتمع السريلانكي بسبب عبء الضرائب، وإنما يطالان المجتمعَ بأكمله بسبب التضخم، مضيفاً أنه ما من طريقة لإبعاد البلد عن السياسات التي يجب تطبيقها في هذه الظرفية الصعبة. 
ويهدف «التسهيل المالي الممدد» من صندوق النقد الدولي إلى دعم البلدان التي تواجه صعوباتٍ اقتصاديةً بسبب المعوقات الهيكلية. وفي حالة سريلانكا، سيسعى البرنامجُ لتحسين وضع احتياطات الدولة التي توجد في حالة مزرية منذ يناير 2022، مما تسبب للبلد في عجز عن التسديد في أبريل من العام الماضي. وقد أوضحت المنظمةُ الماليةُ الدوليةُ أن الأموالَ التي يتم استلامها عبر برنامج التسهيل الممدد ستُستخدم لدعم الاحتياطات فقط، وليس لدعم الميزانية، مما يقصر الأموال على البنك المركزي. غير أن صرف الأموال سيكون مرهوناً بشروط بالنسبة لسريلانكا، التي ينبغي أن تحقق الأهداف الهيكلية للحؤول من دون إفلاس اقتصادي آخر. 
وتظل الأزمة الاقتصادية الحالية في سريلانكا مصدرَ قلق بالنسبة للمواطن العادي هناك. وقد استفحلت وتفاقمت بعد تبني التدابير التقشفية من أجل تأمين برنامج صندوق النقد الدولي. ومن هذه التدابير إصلاحان رئيسيان هما: رفع الضريبة على الدخل بـ36 في المئة لمعالجة مشكلة انخفاض الإيرادات العامة، وزيادة تعرفة الكهرباء بـ66 في المئة، مما يضع عبئاً إضافياً على المواطنين العاديين. إذ بلغ التضخم 53,2 في المئة في فبراير 2023. وعلاوةً على ذلك، فإن 5,7 ملايين شخص في سريلانكا يحتاجون لمساعدات إنسانية، وقد اضطر الكثير منهم لتبني أساليب جديدة للتعاطي مع الظروف المعيشية الصعبة، مثل تقليص الوجبات اليومية، وإرجاء الرعاية الطبية، وسحب الأطفال من المدارس. وفي عام 2022، هاجر نحو 1,1 مليون سريلانكي إلى الخارج عقب الأزمة الاقتصادية. ويُعتبر الوضع الحالي للبلاد في أدنى مستوى له على الإطلاق، كما تعكس ذلك التحركاتُ النقابية المتواصلة للعديد من موظفي القطاع الحكومي والذين يطالبون بالإغاثة والدعم. 
السبب الأصلي للأزمة الاقتصادية السريلانكية هو الفساد السياسي وغياب الحكامة الجيدة. وعلى سبيل المثال، فإن فشل الحكومة السريلانكية في إجراء انتخابات محلية يثير القلق ويمكن أن يشل الديمقراطية ويحول من دون أخذها مسارَها. وكانت الانتخابات المحلية التي تُجرى كلَّ أربع سنوات قد نُظمت آخر مرة في عام 2018، وكان من المقرر إجراؤها في 2022، لكنها أُرجئت من قبل الحكومة من دون ذكر لأسباب التأجيل. ثم أعيدت جدولتها وأُعلن عن تنظيمها في مطلع الشهر الماضي، لكنها أُرجئت من جديد إلى نهاية هذا شهر أبريل الجاري بسبب عدم وجود الوسائل المالية الكافية. ووفقاً للحكومة، فإن الكلفة المقدرة للانتخابات تصل 10 مليارات روبية سريلانكية، وهو مبلغ لا تستطيع خزينة الدولة تحمله. 
ومن المحتمل أن تتواصل الصعوبات المعيشية التي يواجهها السريلانكيون بسبب الأزمة الاقتصادية، رغم الحصول على برنامج صندوق النقد الدولي، وذلك لأن الشروط التي وُضعت للحصول على التسهيل المالي الممدد تفرض إصلاحات هيكلية، وتُعد قاسيةً جداً، ومن شأنها أن تؤثّر بشدة على الفئات الهشة. 
ومما لا شك فيه أن برنامج صندوق النقد الدولي هو شريان الحياة بالنسبة لسريلانكا في هذا الظرف الدقيق في وقت باتت تستطيع فيه البلاد الآن الوصول إلى الأسواق الدولية. هذا الوصول سيمكّن سريلانكا من ضخ الموارد في قطاعي التصدير والسياحة، اللذين بدآ يبديان مؤشراتٍ على التعافي، ومن التطلع مجدداً إلى فرص الاستثمار الأجنبي. وعلى المدى الطويل، ستخلق التعديلات الهيكلية التي يفرضها صندوق النقد الدولي، في حال نجاحها، الأساسَ لاقتصادٍ أكثر قوةً وأكثر استقراراً في سريلانكا. 

رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي