شهد العقدان الماضيان تقدماً هائلاً في العلوم والتكنولوجيا غيّر العالم تغييراً جذرياً. ولهذا فإن القرن الحادي والعشرين سيتسم على الأرجح بالتقدم المذهل الذي يتم إحرازه حالياً من أجل استغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي وقدراته على تحسين المهام والمهن التي يقوم بها البشر. وخلال السنوات الأخيرة، ازدادت سرعة ونطاق برامج الذكاء الاصطناعي بوتيرة متسارعة لا تُبدي مؤشراً على التوقف. ونتيجةً لذلك، هناك جدل محتدم حالياً حول ما إن كانت هذه التطورات مفيدةً للجنس البشري أو مضرةً به؟

وما إن كان من الممكن التحكم فيها؟ وكيف يكون ذلك؟ وفي هذا السياق، كتب بيل جيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحة العامة وتغير المناخ يمكن أن يكون إيجابياً جداً وأن ينقذ كثيراً من الأرواح. ولعل أفضل طريقة للحكم على أهمية هذه التطورات هي أن تطلب من أي نظام بحث متقدم، مثل «غوغل»، توضيحَ تأثير الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية الزراعية، والأرصاد الجوية، والتأمين، والأنظمة الصحية، والطب، والتعليم، والممارسات القانونية، والسفر.. أو أي قطاع أو مجال أو مؤسسة أو مهنة أخرى.

والواقعُ أن النتائجَ يمكن توقُّعُها: ذلك أن الذكاء الاصطناعي سيوفّر فرصاً مذهلةً لزيادة جودة آلاف المنتجات. وهذا يعني أن الحوافزَ الاقتصاديةَ لتطوير الذكاء الاصطناعي مغريةٌ ولا تُقاوَم. غير أن الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي أخذَ الآن يجذب كثيراً من الانتباه. وأحد العوامل التي تجعله مصدراً للجدل يتعلق بإمكانية ظهور شيء يدعى «الذكاء العام الاصطناعي» في غضون عقد من اليوم. هذا الأمر سيحدث حين تتعلم أنظمةُ الذكاء الاصطناعي كيف تفكر وتحلِّل مثل البشر، بدلاً من الاكتفاء بحل المشكلات المعقدة.

وفي هذا الإطار، يحذّر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، مِن أنه إذا ازداد التقدم نحو الذكاء العام الاصطناعي سرعةً، فإن المخاطر يمكن أن تكون كبيرة. وعلى سبيل المثال، قد يقرِّر ذكاء عام اصطناعي في مجال الرعاية الطبية أنه لا ينبغي معالجة الأشخاص المسنين بعد مرحلة معينة لاعتبارات تتعلق بالكُلفة. وفي هذا الصدد، عبّر إيلون ماسك عن قلقه بشأن «الأخطار الوجودية للذكاء العام الاصطناعي» وتحدث عن الحاجة لـ«تعليق» التطويرات في هذا المجال من أجل التفكير في المخاطر المحدقة. والتحدي هو أن الذكاء الاصطناعي أصبح عملاً تنافسياً للغاية، يَعِد مَن يقومون بتطوير أكثر الأنظمة تطوراً بمكافآت عظيمة.

ولهذا، هناك منافسة بين شركات التكنولوجيا الفائقة، وداخل كل واحدة هذه الشركات، رغم أن التداعيات الاستراتيجية لهذا التنافس مهمة، وربما خطِرة على غرار سباق التسلح النووي العالمي. ذلك أن البلد الذي يحقق الهيمنةَ في مجال الذكاء الاصطناعي قد تصبح لديه قدرات كبيرة في المجال العسكري ومجال السيطرة على النزاعات.

واليوم، تُعد الولايات المتحدة، من خلال العدد الكبير لشركاتها العاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة، البلد الرائد في سباق الذكاء الاصطناعي، لكن الصين غير بعيدة خلفها. كما أن بلداناً متنوعة مثل كندا وكوريا الجنوبية واليابان وفرنسا وألمانيا.. تستثمر جميعُها حالياً في هذه التكنولوجيا.

وعلى سبيل المثال، تُعد الصين رائدة في قدرات التعرف على الوجوه، وهي تقنية متطورة جداً تتيح أدواتٍ لسلامة الحشود وتحديد هوية الجمهور والأفراد ومواجهة أعمال الشغب المحتملة. كما تعمل الصين حالياً على تمرير قوانين تضمن أن كل المحتوى الذي يتم إنشاؤه بوساطة الذكاء الاصطناعي «يعكس القيم الاشتراكية الأساسية، ولا يحتوي على محتوى يتعلق بإضعاف سلطة الدولة».

وخلاصة القول، هي أنه طالما أن القوى الكبرى تنظر إلى المنافسة على تطوير الذكاء الاصطناعي عبر عدسات حرب باردة جديدة، فإن احتمالات تحقيق أي بروتوكولات دولية بشأن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وسوء استخدامها سيكون صعباً. وفضلاً عن ذلك، فإن المكافآت الاقتصادية لمن يملكون أكثر الأنظمة تطوراً تضمن أن فوائد وتكاليف التكنولوجيا الجديدة ستستمر في التسارع بوتيرة مثيرة للقلق.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست -واشنطن