انتحى الكثير من قراء المشهد السياسي لتبنِّي أن «النكاية السياسية» هي أهم مرتكزات المقاربة السعودية- الإيرانية برعاية الصين، وفي ذلك إجحاف بحق الكيفية التي تدير بها المملكة العربية السعودية علاقاتها مع حلفائها وأصدقائها، ويفتقر مثل ذلك الرأي للدراية وطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن. وهنا يجب الفصل بين «النكاية السياسية» من المنظور الفردي وممارسة الدولة لثقلها السياسي من ذلك المنظور وهي الدولة المركزية. بل يجب قراءة التطور من منظور اطلاعها بما يتناسب ومسؤولياتها تجاه تعزيز الاستقرار الإقليمي (وضع الأزمة اليمنية على مسار المصالحة الوطنية، والإعداد لمرحلة انتقالية/ وعودة سوريا للحضن العربي، تشي بأن دمشق قد تعهدت بخارطة طريق ستكون مقبولة للخروج من أزمتها).

«قمة العلا» مثّلت الإطار العام لإعادة الاستقرار للمنطقة، إلا أننا قد نشهد الكثير من الجهود الإقليمية الداعمة لذلك الإطار والارتقاء الفعلي بمفهوم التعاون الإقليمي، والوصول لمنظومة من التفاهمات تكون الأقرب في التعبير عن إرادة إقليمية مشتركة.

والولايات المتحدة شريك استراتيجي وليس أمنياً فقط، وكذلك تعاظم مستويات الانخراط الصيني إقليميا، وتوقيعها على اتفاقية تطوير جديدة لحقل غاز الشمال القطري، وتوفير ناقلة نفط عملاقة لإفراغ خزان النفط صافر في المياه اليمنية الموازية للحُديدة، تعد ترجمة لما يمثله تقاطع المصالح لا تعارضها.

وقد تمثل تلك التطورات من المنظور الأميركي تهديداً لمكانة أميركا وعلاقاتها التاريخية، وهنا تكمن إشكاليات واشنطن في قراءة تفاصيل الانخراط الصيني من المنظور الإقليمي لا منظورها هي. وكذلك تجاهل واشنطن لواقع دول الإقليم غير المتماهية والدول الواقعة ضمن نطاق الطوق والطريق، مما يعزز فرضية القصور في أدوات التقدير الأميركية لقيمة التحولات الإقليمية ومستويات الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي فيها.

أولى مستلزمات التحول المطلوبة في حالة أميركا باتجاه المنطقة قبولها بأمرين، أولهما الاحتكام لمبدأ تكافل المصالح وهو الكفيل باستدامة علاقة استراتيجية أكثر صلابة، وثانياً، تخليها عن سرديات حربها على الإرهاب وما أنتجته من ثقافة سياسية، وذلك لكونها خارج إطارها الزمني وتضر بمصالحها. وللأسف هي المسؤول سلفاً عن تعميق مقام تلك السيكولوجية العدائية تجاه ثقافة وهوية الإقليم العربية عبر سياسات عبثية امتدت منذ 2003 وصولاً إلى ما بعد 2011.

واشنطن تحتاج للتصالح مع الوقع الإقليمي ما بعد التوقيع على المواثيق الإبراهيمية وجملة ما أنتجته من تحولات وتوازنات إقليمية جديدة، وذلك تحديداً ما شجع الصين على تطوير أدوات انخراط أكثر تناسباً وتلك التحولات الإقليمية. في حين عجزت الولايات المتحدة عن تطوير منظور مغاير للإقليم بما تستوجبه جملة تلك التحولات وتوازناتها، فهل ستغتنم واشنطن قمم السعودية المقبلة (العربية/ العربية الأفريقية) في التعبير عن رغبة تحول حقيقية تجاه المنطقة. أما الملاحظة الأخيرة للسيدات والسادة في واشنطن، فعليهم أولاً إدراك موقع الصين في الاتفاقية الموقعة بين السعودية وإيران بدل محاربة طواحين الهواء وإهدار المزيد من الوقت. إنها حالة تحول في قواعد الانخراط.

* كاتب بحريني