تستعد الهند، التي تُعد واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، لتجاوز الصين باعتبارها أكثر بلدان العالم سكاناً بحلول منتصف هذا العام. فوفقاً لبيانات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يبلغ عدد سكان الهند 1,4286 مليار نسمة، في حين سيبلغ عدد سكان الصين 1,4257 نسمة. أي أن الهند سيكون لديها 2,9 مليون نسمة أكثر من الصين، ما يجعلها أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان. 
التغيير يأتي في وقت انخفض فيه معدل الولادات في الصين، إذ أُعلن أنها شهدت هذا العام انخفاضاً في إجمالي عدد السكان لأول مرة منذ ستة عقود. ويفتح تجاوز الهند للصين من حيث عدد السكان فصلاً جديداً بالنسبة للبلد الواقع في جنوب آسيا. ويأتي في وقت باتت فيه الهند اقتصاداً مهماً وأخذت تصعد فيه إلى الواجهة كلاعب عالمي مهم. لكنها تواجه أيضاً تحدي تدبير احتياجات سكان سيبلغ عددهم 1,7 مليار دولار في 2064، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، مما يضع عبئاً ثقيلا على موارد البلاد من المياه إلى الطاقة.
الهند بلدٌ شاسعٌ وقصةُ سكانِها متفاوتة عبر المناطق. فعلى الرغم من هذا النمو السكاني عبر الهند، إلا أن معدلات الخصوبة كانت في انخفاض في الواقع، مما يعكس تغيرات في المجتمع الهندي. إذ انخفض معدل الخصوبة في الهند إلى طفلين لكل امرأة بين عامي 2019 و2021، مقارنة مع 3,4 طفل لكل امرأة خلال 1992-1993، في ما يعتبره صنّاع السياسات دليلاً على أن جهود التخطيط الأسري أثمرت نتائج إيجابية، وإن كانت متأخرةً في بعض المناطق. غير أن النمو السكاني ليس موحداً، إذ يتفاوت من ولاية إلى أخرى ومن المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية. وعلاوة على ذلك، فإن خمس ولايات هندية فقط لم تبلغ المستوى الإحلالي للخصوبة (أي مستوى الخصوبة الذي يستطيع معه السكان تعويض أنفسهم من جيل إلى جيل)، ولكنها تشمل ولايتي بيهار وأوترابراديش الأكبر سكانياً في الهند. وبالمقابل، تزداد الولايات الجنوبية شيخوخةً ومن المتوقع أن تعاني من المشاكل التي تطرحها شيخوخة السكان مثل الاعتناء بالمسنين وتقلص حجم القوة العاملة. وبالمثل، تتفاوت اتجاهات السكان أيضاً من المناطق الريفية إلى الحضرية. ففي كثير من الأجزاء الريفية، ولا سيما في الحزام الوسطي للبلاد، ما زالت البنى الأُسرية تقليديةً جداً حيث يقرر الرجال وعائلاتهم حجم الأسرة وتكون هناك رغبة قوية في إنجاب ليس ابن واحد فقط وإنما ابنين اثنين لحمل اسم العائلة. 

وتأتي قصة النمو السكاني للهند في وقت يتميز بنمو اقتصادي سريع الوتيرة يهدف إلى انتشال الملايين من براثن الفقر. كما أن هناك فرصاً إلى جانب الحاجة إلى دعم وتعزيز مبادرات التخطيط الأُسري من أجل تحقيق استقرار النمو السكاني في الولايات القليلة حيث ينعدم الاستقرار. ويُعد 40 في المئة تقريباً من سكان الهند دون سن الخامسة والعشرين، مما يعني أن 4 من أصل كل 10 هنود هم من فئة الشباب. وهذا يعني أيضاً أن الهند تستطيع الاستفادةَ من هذا العائد الديمغرافي؛ لكنه يتطلب سياسات وتخطيطاً على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ذلك أن الهند تحتاج لنمو اقتصادي سريع الوتيرة لخلق الوظائف وتوفير تعليم عالي الجودة وتداريب على اكتساب المهارات من أجل توظيف الـ12 مليون شخص الذي ينضمون إلى القوة العاملة كل سنة.
ووفقاً لمركز «بيو للأبحاث»، فإن حوالي واحد من أصل كل خمسة أشخاص عالمياً ممن هم دون سن الخامسة والعشرين يعيشون في الهند. ولئن كان عدد سكان الهند الكبير يستطيع تحريك الاستهلاك، الذي يُعد دافعاً مهماً للنمو، فإن الكثير يتوقف على الكيفية التي ستستطيع بها البلاد تعليم شبابها المهارات. وأحد الاتجاهات المقلقة لصنّاع السياسات هو أن ملايين الشباب الهنود يشعرون بالإحباط بسبب قلة فرص العمل، ويقررون تبعاً لذلك الانسحابَ من العمل فيختارون مواصلة الدراسة أو البقاء في المنزل أو الاعتماد على أفراد أسرهم في الحصول على الدعم المالي. وحسب «مركز المراقبة»، فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل، أولئك الذين لا يريدون العمل، من 4 ملايين خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2017 إلى ما يناهز 5,6 مليون في مايو-أغسطس 2021.
غير أن الأمر الإيجابي هو أنه إذا شُغِّل شباب الهند، فإن هذا العائد الديمغرافي، أي حين يكون عدد الأشخاص العاملين في إجمالي السكان مرتفعاً، يستطيع مدّ العالم بالموارد البشرية ومواصلة تصدير مهنيين وعمال يتمتعون بالمهارات عبر العالم وسط شيخوخة عدد من الاقتصادات عبر العالم. ويذكر هنا أن الهنود يهيمنون منذ مدة على بعض القطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات. وحالياً تقوم شركات في اليابان، التي تواجه مشكلة شيخوخة السكان، بمغازلة مهنيي تكنولوجيا المعلومات الهنود. وهذا يعني أن الهند تستطيع المساعدةَ على مدّ اقتصادات بلدان أخرى بالموارد البشرية إذا كان شبابها يمتلك المهارات. والواقع أن العديد من البلدان عبر العالَم ستواجه مشاكلَ شيخوخة السكان، ولهذا فإن الهجرة من الهند ستواصل الارتفاع. 
وعليه، فليس هناك ما يستدعي النظر إلى النمو السكاني للهند على أنه أمر سلبي فقط. ذلك أن الأمر ينطوي أيضاً على فرص للبلاد. وهذا يعني أيضاً أنه ينبغي التشاور مع الهند التي تترأس مجموعة العشرين، بشأن المواضيع العالمية المهمة مثل تغير المناخ، لأنه لا يمكن إيجاد حل لأي مشكلة عالمية بدون إشراك البلد الأكثر سكاناً في العالم. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي