في واقع جيوسياسي منسجم وواعد في منطقة الشرق الأوسط، ومناخات جديدة تتضمن دوراً صينياً لطي صفحة الخلاف السعودي الإيراني، وانفتاحاً خليجياً على سوريا، وسعياً تركيّاً ومصرياً وسورياً لإعادة دفء العلاقات وتصفير الخصومة البينية.. انفجرت أزمة السودان لتشكل صداعاً جيوسياسياً محتملاً قد يشمل أجزاء من منطقة الشرق الأوسط، ويمتد إلى البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي. فهل ما حدث ويحدث في السودان صدفة أم أزمة مفتعلة بمحركات دولية خفية؟!

يشكل السودان مزيجاً عربياً أفريقياً، إسلامياً مسيحياً، ذو نظام اجتماعي قبلي جهوي مناطقي متعدد. وقد مر السودان تاريخياً بأزمات عدة، ومراحل ضعف وقوة، نكوص ونهوض.. ومن حيث نوع الحكم فقد مرّ السودان بفترات حكم عسكرية طويلة كانت أقصرها فترة العام الذي حكم خلاله عبدالرحمن سوار الذهب الذي سلم السلطةَ للقوى الديمقراطية التي انقلب عليها البشير لاحقاً.

وقد تعود تلك التداعيات المتكررة تحت الحكم العسكري في السودان إلى التحديات المحيطية، سياسية كانت أم اقتصادية، بالإضافة للتحديات الانفصالية الداخلية المتراكمة والتي أدت إلى تقسيم البلاد إلى دولتين بقيام دولة جنوب السودان إثر ثلاثة عقود من التمرد المسلح بزعامة جون قرنق الذي كان مكلفاً عام 1983 بإخماد تمرد قامت به كتيبة من الجنوبيين، لكنه انضم إليها ونصبوه زعيماً لهم وشكل نواة «الجيش الشعبي لتحرير السودان».

وقد استنزفت حربُه الكثير من موارد السودان البشرية والمادية. ثم وصلت عدوى الحرب الداخلية إلى أزمات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فضلاً عن أزمات مع الدول الحدودية غير المستقرة أصلاً. وقد ساهمت دار فور في ظهور «الجنجويد» التي ستُعرف لاحقاً باسم «قوات الدعم السريع» بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والتي تتشارك الحرب الدائرة حالياً مع الجيش السوداني بقيادة رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان.

وقد تفجرت الأوضاع في السودان بعد تعثر الاتفاق الإطاري الذي ترعاه اللجنة الرباعية لضمان الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني والديمقراطي، ليتصاعد الخلاف على السلطة بين الجنرالين البرهان وحميتي على السلطة، وليصحوا السودانيون صبيحة يوم 15 أبريل المنصرم على نشوب حرب بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، أي أن الصراع في الأصل بين الرئيس ونائبه، وهنا يميل الانخراط الدولي والإقليمي نحو الحياد، أي دون دعم طرف على آخر.

وقد تنجح الهدنة التي اقترحتها كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية في التمهيد لمرحلة من التفاوض بين الطرفين، وبالتالي في استكمال المرحلة الانتقالية بسلام، وهذا ما يتمناه كل عربي لأجل سودان آمن مستقر، أما خلاف ذلك فالمصير قاتم وغير مطمئن، إذ كلما استمرت الأزمة كانت مخرجاتها كارثية من حيث خلق محاضن للتنظيمات والجماعات المسلحة مثل «القاعدة» و«داعش»، بما يمثله ذلك من مخاطر على أمن المنطقة وأمن البحر الأحمر وحوض النيل. فالتهديدات جراء هذه الأزمة ليست سودانية فحسب، وإنما إقليمية ودولية أيضاً، والأخطر هو تحولها إلى حرب أهلية ستمثل تهديداً لوحدة البلاد.

نتمنى اجتماع الفرقاء السودانيين على طاولة الوطنية والمصلحة القومية وحقن الدماء وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مسبقاً لضمان استقرار البلاد، فالرابح في هذه الحرب «خاسر»!

*كاتبة سعودية