يبلغ روبرت مردوخ، رئيس مؤسسة «نيوز كورب» الإعلامية، من العمر 92 عاماً، وما زال يُعد أقوى قطب إعلامي في العالم الغربي، حيث تمارس صحفه وقنواته التلفزيونية في أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة تأثيراً كبيراً على الحياة السياسية في البلدان الثلاثة معاً. «درة تاج» إمبراطوريته في الولايات المتحدة هي «فوكس نيوز»، القناة التلفزيونية التي تصل إلى جمهور واسع من الناخبين المحافظين كل يوم. وإلى غاية يوم الرابع والعشرين من أبريل، كان نجم برامج المساء هو تاكر كارلسون، وهو معلِّق يميني في الثالثة والخمسين من عمره. 
منذ انتخابات 2020 الرئاسية، كان برنامج كارلسون المسائي ومشاهير آخرون في «فوكس نيوز» يستضيفون ضيوفاً يؤكدون على أن الانتخابات «سُرقت» وأن ماكينات التصويت التي وفّرتها شركة «دومينيون» «زُورت» لصالح بايدن. ورداً على الهجوم الذي شنّه أنصار ترامب على مقر الكونجرس الأميركي يوم 6 يناير 2021، كان كارلسون يشير بشكل مستمر إلى أن معظم المحتجين الذين شاركوا في اقتحام الكونجرس لم يكونوا عنيفين. وللتدليل على ذلك، كان يستخدم مقاطع فيديو معدَّلة من تغطيات فيديو ليُظهر حدثاً أكثر سلمية من ذلك الذي رأته البلاد حينما عرضته لجنة مجلس النواب المشتركة التي شُكلت من أجل التحقيق في الهجوم. وبعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في 24 فبراير 2022، نشر كارلسون آراء مؤيدة لروسيا وندّد بدعم الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» لأوكرانيا. موقف نال عليه الإشادة في موسكو، حيث بُثَّت تعليقاتُه على التلفزيون الروسي بشكل منتظم. 
ورغم أن كثيرين في قناة «فوكس نيوز»، بمن فيهم الإدارة، كانوا يختلفون مع آراء كارلسون، فإنهم كانوا واعين بأن جمهوره الواسع مهم جداً للقناة ولزيادة أرباحها. 
غير أن هذا الوضع بلغ ذروته حينما رفعت «دومينيون» دعوى ضد «فوكس نيوز» بتهمة التشهير، مطالبةً بتعويض قدره 2,6 مليار دولار. «فوكس نيوز» نفت التهمة وشرع الطرفان على مدى أشهر في جمع شهادات الشهود وتحضير المرافعات استعداداً لانطلاق المحاكمة. وبحلول أبريل 2023 بدا أن الجهود الرامية إلى التوصل لتسوية قد باءت بالفشل، واختيرت هيئة محلفين يوم 18 أبريل إيذاناً ببدء المحاكمة. لكن في اللحظة الأخيرة تسنى التوصل لتسوية. إذ اعترفت «فوكس» بأنها أصدرت تصريحاتٍ خاطئةً بشأن دور شركة «دومينيون» في الانتخابات ووافقت على دفع 787 مليون دولار في إطار تسوية مع الطرف المدعي خارج المحاكم، وهو أعلى مبلغ يدفع على الإطلاق في قضية تشهير. 
وخلال فترة ما قبل المحاكمة، كشفت «دومينيون» عن آلاف النصوص ورسائل البريد الإلكتروني من داخل «فوكس نيوز» تُظهر بوضوح أن إدارة «فوكس» ونجومها التلفزيونيين كانوا يعرفون أن ترامب خسر الانتخابات وأن «دومينيون» لم تتلاعب بماكينات التصويت. ويتضح من الملف أن «فوكس» امتنعت بشكل متعمد عن إخبار جمهورها بالحقيقة خشية فقدان أنصارها أو رحيلهم إلى قنوات تلفزيونية يمينية أخرى. كما أظهرت رسائل «فوكس» المسرَّبة أن كارلسون كان يستخدم لغة خشنة ولاذعة لمهاجمة إدارة «فوكس» لأنها لم تبذل جهداً كافياً لحماية مشاهديها من أخبار لا يرغبون في سماعها. وعلاوة على ذلك، كان كارلسون موضوع دعوى قضائية رفعتها ضده منتجته السابقة «آبي غروسبرغ»، التي قامت بمقاضاته وقناة «فوكس» بتهمة التمييز الجنسي والتحرش في مكان العمل. 
وبدون سابق إنذار، طُرد كارلسون يوم الاثنين 24 أبريل من قبل مردوخ. الأمر الذي أثار رد فعل قوياً جداً في وسائل الإعلام. فقد تسبب طرد النجم الأبرز في تدني نسب مشاهدة «فوكس» خلال ذروة أوقات المشاهدة المسائية في الساعة الثامنة مساء، ولم يتم اختيار خلف دائم له. والواقع أن «فوكس» كبيرة وغنية بما يكفي لتحمل هذه الخسارة، كما أنه سبق لها أن طردت خلال السنوات الماضية نجمين بارزين آخرين هما غلِن بِك وبيل أوريلي، دون أن يتسبب ذلك في أضرار على المدى الطويل. لكن كارلسون يحظى بمتابعة خاصة بين أنصار ترامب، وسيبحث من دون شك عن منصة جديدة للترويج لآرائه العنصرية والانعزالية.
وقد يكون مردوخ في الثانية والتسعين من العمر، لكنه ما زال الرئيس، وطالما أنه يمسك بزمام القرار في الشركة، فبوسعنا توقع مفاجآت، لاسيما أن موعد انتخابات جديدة قد اقترب، وازدراؤه لترامب بات يعرفه القاصي والداني.