حققت دول الاتحاد الأوروبي بفضل تأشيرة «شنغن» نجاحاً كبيراً في تنمية قطاعها السياحي منذ أن بدأ أعضاء الاتحاد في تطبيق هذه التأشيرة في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، بعد اتفاق عليها في منتصف ثمانينياته، مما شكَّل نقلةً نوعيةً شجعت دولاً من خارج الاتحاد، مثل سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين، على الانضمام للاتفاقية بعد أن لمست المكاسب التي يمكن جنيها من الانضمام. 
وقد أشرنا هنا سابقاً إلى ضرورة حذو دول مجلس التعاون الخليجي حذو دول الاتحاد الأوروبي بالاتفاق على اعتماد تأشيرة «شنغن خليجية» لتنمية القطاع السياحي، ويبدو أن هناك الآن توجهاً للاتفاق حول هذه التأشيرة بين دول المجلس بعد أن ساعدت العديدُ من التطورات على الدفع بهذا الاتجاه، كالتطور السريع للبنى التحتية للقطاع السياحي، وبالأخص بعد أن اكتسبت بعض المدن الخليجية طابعاً عالمياً مميزاً حوّلها إلى مركز لاستقطاب الكفاءات ومشاهير الفن والثقافة والرياضة، حيث يرغب الكثير منهم في زيارة أكثر من بلد خليجي إذا ما توفرت له مثل هذه الفرصة.
وفي نفس الوقت قدَّمت بعضُ دول المجلس في الفترة الأخيرة تسهيلات إضافية للقادمين من خلال السماح لمن لديه إقامة في إحدى دول المجلس من السفر إلى بقية الدول الأعضاء بحرية تامة، وهو ما أدى إلى تنشيط السياحة الخليجية، كما أن مونديال قطر أثبت -من ضمن إيجابيات كثيرة- إمكانيةَ منح تأشيرة مشتركة بعد النجاح الذي حققته بطاقة «هيا» الصادرة من قطر والخاصة بالمونديال، والتي سمحت لحاميلها بالدخول من دول المجلس إلى دولة قطر لحضور فعاليات بطولة العالم لكرة القدم، حيث بيّنت هذه التجربة القصيرةُ أهميةَ وأمكانيةَ الاتفاق لإصدار «شنغن» خليجية وأزاحت بعضَ الهواجس السابقة الخاصة بذلك. 
لقد تضاعف عددُ السياح القادمين من خارج دول المجلس ليصل إلى 10 ملايين سائح العام الماضي، وذلك باستثناء السياحة الخليجية البينية، والتي تساعد بدورها في انعاش القطاع السياحي، خصوصاً وأن هناك تنوعاً جغرافياً وتعدداً في المناطق الأثرية والمتاحف وأماكن الترفيه الأسري، حيث يتوقع أن يتضاعف عدد السياح من خارج دول المجلس إذا ما تم اعتماد التأشيرة الخليجية الموحَّدة.
ومع أن «شنغن» الخليجية ستختلف عن «شنغن» الأوروبية التي لا تقتصر فقط على التأشيرة السياحية، وإنما هي عبارة عن اتفاقية متكاملة تسمح بفتح الحدود كاملةً أمام انتقال الأفراد والسلع والخدمات، أي تتبع سياسة الحدود المفتوحة، باعتبار كافة دول الاتفاقية منطقةً تجاريةً وسياحيةً واحدةً. ومع أن الظروف غير مهيأة خليجياً حتى الآن لاتخاذ مثل هذه الخطوة الرامية إلى فتح الحدود، فإن الاتفاق على التأشيرة الموحَّدة سيُعتبر بمثابة الخطوة الأولى التي تؤسس لإمكانية التحول إلى منطقة بلا حدود. 
وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض القضايا السابقة التي أثَّرت في تقدُّم التعاون الخليجي، وتمكن الاستفادة منها، حيث عرقلت بعضُ التفاصيل الفنية عمليةَ الاستفادة من الاتفاقيات الموقعة. ولنأخذ على سبيل المثال قضيةَ التعرفة الجمركية الموحدة أو الاتحاد الجمركي، إذ على الرغم من أن الاتفاقيةَ تنص صراحةً على انتقال السلع والخدمات بحرية بين دول المجلس، عند دخولها من أي دولة خليجية، فإن المشرِّعَ وضع عقباتٍ تفصيليةً حدّت من عملية الانتقال الحر، كضرورة أن لا تزيد مدة دخول السلعة الدولةَ المعنيةَ عن سنتين لإمكانية السماح بحرية حركتها، كما أن إجراءات انتقال السلع والخدمات دون رسوم جمركية عملية طويلة ومرهقة، مما يعرقل الاستفادةَ من اتفاقيات مهمة بعد تكبيلها بشروط تعيق عمليةَ التنفيذ. 
ولذا فإن تجنّب محاصرة اتفاقية «شنغن» الخليجية بتفاصيل معرقلة أمر مهم للغاية، لتنمية القطاع السياحي الخليجي الواعد والذي يكتسب أهميةً متزايدةً بفضل الاستثمارات الكبيرة الموجهة إليه، وكذلك البنى المتطورة والتنوع المتوفر في دول المجلس.
وإذا ما سارت الأمور دون تعقيدات، فإن القطاع السياحي في الدول الست سيشهد نقلةً نوعيةً، وسيخلق آلاف الوظائف بحكم كونه من القطاعات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، وسيؤدي ذلك إلى زيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس. 

*خبير ومستشار اقتصادي