إطار اتفاق جدة هو امتحان لنوايا الأطراف المتنازعة. ويبدو واضحاً أن آليات وقف إطلاق النار، وإن بدت مؤقته أو هشة، إلا أنها خطوة في الاتجاه الصحيح لصالح السودان وأهله لا طرفي النزاع. أما رسالة الأطراف الراعية لهذا الاتفاق (السعودية والولايات المتحدة)، فإنها واضحة على المستويين الإقليمي والدولي، وأهمها تحييد الهوامش (الإقليمية/ القارية/ الدولية) من الدخول على خط الأزمة والأضرار بآفاق تحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار أو تعطيل قابلية القوى المدنية السودانية للاطلاع بمسؤولية أكبر في إدارة هذه الأزمة تحضيراً لتوافق وطني لعملية انتقالية.

الحضور المباشر في هذه الأزمة لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، يمثل الإطار التحضيري الأوسع منذ إعلان الولايات المتحدة عن مقاربتها الجديدة تجاه المنطقة، والتي أعلن عنها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قبل يومين من زيارته الأخيرة للسعودية الأسبوع الفائت.

وقد يشمل ذلك الإطار ملفات أخرى قد لا تقتصر على ما سينظر فيها من قبل القمة العربية القادمة والتي ستبدأ اعمالها في التاسع عشر من مايو الجاري. هذا الأنموذج من الدبلوماسية السعودية الأميركية المشتركة كان العنوان الغائب في العلاقات الإقليمية الأميركية وخصوصاً في احتواء الأزمات أو إدارتها، فهل سيؤسس ذلك لمرحلة عمل مشترك مستدام أميركيا، وذلك هو الأهم بالنسبة للمنطقة الآن.

وبالعودة للسودان، فإن الأطراف المتنازعة باتت تعي حرج تحييد جواره وكذلك قابلية توفيره البيئة الداعمة لتعمق حالة الأزمة (ليبيا/ جنوب السودان/ باقي وسط أفريقيا)، ويعد ذلك هو أهم إنجازات «اتفاق جدة»، رغم عدم إنهائه لحالة الصراع القائم. وذلك لأن الأطراف المتنازعة لا زالت غير مستعدة للقبول بذلك، أو ربما لتوافقات إقليمية ودولية بضمان الحياد في هذه الأزمة شرط ضمان الأطراف المتنازعة سلامة السودانيين وبُناه الحيوية. فهل بجعبة الأطراف الراعية للاتفاق أدوات ضغط أخرى لم يعلن عنها، والإجابة على ذلك: رضوخ طرفي الأزمة والقبول بالتوقيع على إطار جدة. والأطراف نفسها تعي استحالة تحقق حالة انتقالية حقيقية بعد الأزمة دون توافق إقليمي دولي، ويعي كلاهما دور وجهود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في رفع اسم السودان من قائمة العقوبات الأميركية.

الهدف المرحلي لاحتواء الأزمة السودانية قابل للتحقق في حال توافقت الأطراف على عبثية استمرار هذا الصراع، أو القبول بتحوله للحالة الليبية، وكذلك ما سيترتب عنه من خسارة مكانتها السياسية وطنياً، وكذلك استحالة قبول المجتمع الدولي بأي دور مستقبلي لها في العملية السياسية السودانية. تحديداً ذلك ما يجب إيصاله لكل القوى المُحتكمة للسلاح في إدارة صراعاتها السياسية على أراضيها، أو الأخرى الداعمة لإستدامة الأزمات.

أما إقليمياً، فلدينا الآن إطاران قابلان للبناء عليها انطلاقاً من أولوية إعادة الاستقرار لعموم منطقة ما يُعرف بالشرق الأوسط الكبير، ألا وهما الاتفاق السعودي الإيراني بضمانات صينية، والآخر هو المقاربة الأميركية الجديدة، وباكورته هو اتفاق جدة الإطاري بين الأطراف المتنازعة في السودان.

وسوف تقاس عموم نوايا الشركاء الاستراتيجيين (الولايات المتحدة والصين) انطلاقاً مما يتحقق من انجاز لصالح إعادة الاستقرار للمنطقة وذلك أولاً، أما ثانياً، فهو تعزيز مكانة تقاطع المصالح المشتركة للجميع دون المساس بمصالح دول المنطقة تحت أي مسمى مهما كان نبل ما يعلن عنه من أسباب أو ذرائع.

*كاتب بحريني