لا تُقاس تهديدات الأمن القومي الأميركي بالصواريخ والجيوش والإرهابيين فقط. فالاضطرابات السياسية والاقتصادية في البلدان التي تعد مهمة لأميركا وحلفائها يمكن أن تكون شديدة أيضاً. هذا هو السبب في أن محاربة الجوع والعطش لم تعد مجرد تحدٍ لعمال الإغاثة. إذ إن حجم الأزمة العالمية كبير لدرجة أن الجوع يمثل الآن تهديداً لأمننا وحدودنا واستعراض قوتنا.

على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، قام مجتمع الاستخبارات الأميركية بتقييم التأثير المحتمل لانعدام الأمن الغذائي والمائي في العالم. وتوقعت وكالات الأمن الأميركية عالماً، ربما يكون على وشك أن نراه الآن، حيث قد يؤدي نقص المياه والفيضانات إلى «خطر عدم الاستقرار، وزيادة التوترات الإقليمية، وصرف الانتباه عن التركيز على أهداف مهمة في السياسة الأميركية». وتوقعت أنه في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة لنا، «من شبه المؤكد أن يسهم تدهور الأمن الغذائي في الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي».

لقد سبق أن طالبت بتعيين مستشار للأمن القومي للغذاء ووزير للغذاء. واقترحت إنشاء وكالة غذاء وطنية لتركيز السياسة الغذائية على احتياجات المواطنين الأميركيين. لكنني لم أنجح في إقناع أصدقائي في الكابيتول هيل أو في البيت الأبيض بمنح أولوية للتفكير في سياسة الغذاء.

لقد حان الوقت لنا جميعاً لإعطاء الأولوية للغذاء في سياستنا العامة – على المستويين المحلي والدولي. فكر في أحد أكثر العوامل إثارة للانقسام في السياسة اليوم، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا: إنها الهجرة من جنوب الكرة الأرضية. ما الذي يدفع العديد من العائلات إلى المخاطرة بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر الغابة أو عبر الأنهار أو في البحار المفتوحة؟ إن العنف والفساد وانعدام الفرص ليست أموراً جديدة في نصف الكرة الغربي. على الرغم من أنها عوامل واضحة في اندفاع المهاجرين نحو الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، إلا أن هناك باعثاً جديداً يحرك الكثير من الناس اليوم. إنه الطعام. وعلى وجه الدقة: سوء التغذية والجوع وارتفاع أسعار الغذاء.

قبل ثلاث سنوات، جاء غالبية المهاجرين من بلدان «المثلث الشمالي»: هندوراس وجواتيمالا والسلفادور. الآن، يأتي معظم المهاجرين على حدودنا من دول أخرى، بما في ذلك فنزويلا وكولومبيا ونيكاراجوا وكوبا. فما الذي يربط هذه الدول معاً؟ تعاني كوبا نقصاً غير عادي في الغذاء وارتفاع الأسعار. ويعيش نحو ثلاثة أرباع الفنزويليين على أقل من 1.90 دولار في اليوم، وهو ما يقول الاقتصاديون إنه لا يكفي لإطعام شخص واحد، ناهيك عن الأسرة. وفي بعض مناطق نيكاراجوا، يعاني طفل واحد من كل أربعة أطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية المزمن.

يمكنني أن أخبركم بنفس القصص عن دول المثلث الشمالي قبل بضع سنوات. أو يمكنني أن أخبركم عن العائلة القادمة من هندوراس، والتي أطعمناها وهم يحتمون تحت جسر في ماكالين، تكساس. لقد تعرفوا على شعار منظمة «المطبخ العالمي المركزي» World Central Kitchen، وهي المنظمة غير الربحية التي أسستها، لأننا قدمنا لهم الطعام في هندوراس في العام السابق، عندما دمرت الأعاصير المتتالية مزرعتهم. نظراً لأن الجفاف الشديد يدمر المحاصيل في جميع أنحاء أميركا الجنوبية، فقد حذر برنامج الغذاء العالمي مؤخراً من أن «القارة بأكملها في حالة هجرة».

لا يمكننا بناء جدار عالٍ بما يكفي لإيقاف جيش من الأمهات يحملن أطفالهن الجائعين بين أذرعهن. إن مشكلتنا ليست أننا نفتقر إلى الموارد أو المعرفة اللازمة للتخفيف من هذه الضغوط التي لا تطاق. مشكلتنا هي أننا نفتقر إلى التركيز. تنفق الولايات المتحدة نحو 25 مليار دولار سنوياً على الجمارك وحماية الحدود والهجرة وإنفاذ الجمارك. وتريد تكساس وحدها إنفاق 4 مليارات دولار على الحدود. هذا ما تنفقه الولايات المتحدة على إطعام الكوكب بأسره من خلال برنامج الغذاء العالمي في عام عادي (نحو 3.81 مليار). إنه أربعة أضعاف ما تقترح الإدارة إنفاقه على استقرار الديمقراطيات والاقتصادات في أميركا الوسطى للمساعدة في وقف الهجرة. إن الغذاء ليس مجرد تحد وجودي خارج حدودنا.

في الولايات المتحدة، يعاني نحو نصف السكان البالغين إما من مرض السكري أو يعانون من مقدمات الإصابة بالسكري. ويعاني اثنان من كل خمسة بالغين من السمنة المفرطة. في العام الماضي، انهارت إمدادات حليب الأطفال بسبب التلوث في أحد المصانع، واستمر النقص.

في الآونة الأخيرة، وجد مكتب المساءلة الحكومية أن الحكومة الفيدرالية تقود 200 جهد مختلف عبر 21 وكالة مختلفة لتحسين وجباتنا الغذائية. ومع ذلك، ما زلنا لا نستطيع أن نطابق دعمنا الزراعي مع احتياجاتنا الغذائية. يمكن أن يكون الغذاء هو الحل للعديد من الأزمات: من صحتنا إلى مناخنا، ومن الهجرة إلى الأمن العالمي. ولكن فقط إذا فكرنا بشكل مختلف وأعطينا الأولوية لغذائنا. أنظمتنا الغذائية العالمية معطلة، ونحن بحاجة ماسة إلى تغيير هيكلي. وهذا يبدأ هنا في واشنطن.

خوسيه أندريس*

*مؤسس معهد الغذاء العالمي الجديد بجامعة جورج واشنطن.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»