لم يستطع «نيك أوبرادوفيتش» الاستغراق في النوم، مرة أخرى، الأمر الذي أثار غضبه. كان ذلك في أكتوبر 2015، وكانت مدينة سان دييجو تشهد على غير العادة درجات حرارة مرتفعة أثناء الليل في فصل الخريف لم تعرفها منذ منتصف السبعينات. سجلت المدينة، التي كانت عادة باردة وجافة، أحر ليالي في أكتوبر على مدى ثلاث سنوات، خلال موجة حر لم تعهدها من قبل، إذ كانت درجات الحرارة أعلى من المتوسط بمقدار 7.7 درجة فهرنهايت. كان يعيش مع زوجته في شقة من دون مكيف للهواء، وهو أمر مألوف نظراً لاعتدال الجو عادة طوال العام. وكافح على مدى أسبوع أثناء موجة الحر كي يخلد للنوم. فالحرمان من النوم أتعبه، فلم يعد قادراً على ممارسة نشاطه اليومي المعتاد. في ذلك الوقت، كان يدرس للحصول على الدكتوراه من جامعة سان دييجو في كاليفورنيا. ربما أزعجه آنذاك قلة النوم أو العديد من المناشف المبتلة من حوله، لكنه قرر حيث يعمل الآن باحثاً رئيسياً في معهد ماكس بلانك للتنمية البشرية، بحث ما إذا كان شح النوم الذي عانى منه بسبب الحر أمرا شائعا. ولم تكن النتائج التي توصل إليها شيئا يشجع على النوم. فالبشر يصابون بالفعل بالأرق في الأجواء الحارة، خصوصا في بداية الليل. فالنماذج تتنبأ بأن النوم الهادئ يتراجع مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصاً في المجتمعات الأقل دخلا وفي مجتمعات المسنين.
ووجد «أوبرادوفيتش» وزملاؤه في دراسته التي شملت 47 ألف بالغ في 68 بلداً تغيراً ملحوظاً في مدة النوم عندما ترتفع درجة الحرارة ليلاً فوق 50 درجة (عشر درجات مئوية). وفي الليالي التي تزيد فيها درجات الحرارة عن 86 درجة، فإن الناس ينامون أقل من المتوسط بحوالي 14 دقيقة. ويكون فقدان النوم أشد على مدى فترات زمنية أطول. ويقدر المشاركون في الدراسة أن الناس يفقدون بالفعل 44 ساعة نوم سنوياً. ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة سيتعرض الناس لضغوط شديدة للحصول على قسط جيد من الراحة في الليل. ويزداد ارتفاع درجات الحرارة ليلاً بمعدل أسرع من النهار في أماكن كثيرة حول العالم. وقد يفقد الأفراد في أنحاء العالم ما بين 50 و58 ساعة نوم سنوياً بحلول عام 2100. نتعامل غالباً مع النوم على أنه أمر مسلم به، لكن عدم أخذ كفايتنا من النوم يزيد خطر التعرض للكثير من المشاكل الصحية مثل ضعف الصحة العقلية والبدانة ومشاكل في القلب وربما الوفاة المبكرة.

أشارت «ريبيكا روبنز»، وهي طبيبة ومدربة في كلية الطب بجامعة هارفارد إلى أن ضغط الدم يتراجع إلى أدنى درجة أثناء نومنا. ولكن من دون هذا التراجع الطبيعي، فمن المرجح أن يزداد ضغط الدم الذي من الممكن أن يتحول إلى ارتفاع ضغط الدم أو أزمة قلبية أو سكتة دماغية. ويمكن مشاهدة تأثيرات تقليص النوم كل عام في الولايات المتحدة مع تقديم الساعة في الربيع الذي يفقد الناس النوم في تلك الليلة. وأشارت الطبيبة التي شاركت أيضا في الدراسة إلى أن الأسبوع التالي يشهد المزيد من حوادث الأزمات القلبية وحوادث السيارات وإصابات العمل تزداد بسرعة الصاروخ، موضحة أن عدم أخذ قسط كاف من النوم لأكثر من ليلة أو ليلتين فإن أشياء كثيرة تختل نتيجة للضغط «الذي تتعرض له أعضاؤنا الحيوية، مما يزيد من خطر النتائج السلبية والحالات المزمنة». 

ويجب أن تكون غرفة النوم الملائمة كي يخلد الناس للنوم باردة نسبياً – ما بين 63 و69 درجة فهرنهايت. فانخفاض درجة حرارة أجسادنا ضرورية للخلود للنوم والاستغراق فيه، لأنها تحفز النعاس. ووجد أوبرادوفيتش وزملاؤه أن درجات الحرارة المرتفعة على غير العادة لها التأثير الأكبر على مدة النوم. وفترات النوم القصيرة أكثر في فصل الصيف وبين المسنين، ربما لأنهم يواجهون صعوبة في تنظيم درجة حرارة أجسامهم. ووجدت الدراسة أن الأماكن الأشد حراً تعاني أكثر من تراجع النوم، كذلك فإن البلدان الأقل دخلاً تتأثر بشدة الأمر الذي يفترض أن سببه هو عدم وجود مكيفات للهواء. لكنه افتراض يتطلب المزيد من الدراسة. 

وتشير التقديرات إلى أن الاحترار العالمي سيكون له أكبر الأثر على فقدان النوم في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأستراليا. إذ من المتوقع أن يفقد الناس ثلاث ليال من النوم إضافية سنوياً في الأماكن الأكثر حراً بنهاية القرن الحادي والعشرين بسبب درجات الحرارة الأعلى أثناء الليل. 
وبينما يميل الحر إلى التأثير سلبياً على النوم، فإن الأبحاث تبين أن الأمر مختلف مع درجات الحرارة الأكثر برودة. وأوضح «كيلتون مينور» الذي شارك في البحث أن أجسادنا تتكيف مع البرد بشكل أفضل من تكيفها مع الحر. ويوافق جيروم سيجل وهو باحث بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس لم يشارك في الدراسة على أن الاحترار العالمي سيؤثر على النوم لكنه أشار إلى أن من غير الممكن افتراض أن الناس لن تفعل شيئاً حيال ذلك. وأوضح أوبرادوفيتش أن النتائج التي توصل إليها فريقه قد تساعد المجتمعات أو صانعي السياسات على تحسين بيئات النوم بشكل أكثر كفاءة. وترى «روبنز» أن الناس على المستوى الفردي بحاجة إلى ممارسة سلوك سليم فيما يخص النوم بشكل عام، وتقترح على سبيل المثال تقليص الوقت الذي نقضيه أمام الشاشة إلى ما بين 15 و20 دقيقة قبل النوم، وتحذر من أن الأضواء الزرقاء المنبعثة من الهواتف الخلوية أو الكمبيوتر يمكن أن تكون مثل الشمس وأن تقوض إيقاع الساعة البيولوجية. وأشارت إلى أن الاستغراق في التأمل قبل النوم قد يساعد على الاسترخاء ويجعل الخلود إلى النوم. وتشير إلى عادة أخرى جيدة تتمثل في الحفاظ على مواعيد ثابتة للنوم.
*كاتبة متخصصة في شؤون البيئة والتغير المناخي والعلوم والصحة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكيشن»