يوم السبت 27 مايو، احتفل والدي، هنري كيسنجر، بعيد ميلاده المائة. قد يكون لهذا جو من الحتمية لأي شخص على دراية بقوة شخصيته وحبه للرمزية التاريخية. ولا يقتصر الأمر على أنه عاش أكثر من معظم أقرانه والمنتقدين البارزين والطلاب فحسب، بل ظل أيضاً نشيطاً بلا كلل طوال التسعينيات من عمره. وحتى الجائحة لم تبطئ عمله، فمنذ عام 2020، أنجز كتابين وبدأ العمل على كتاب ثالث. وعاد من مؤتمر بيلدربيرج في لشبونة، في وقت سابق من هذا الأسبوع، في الوقت المناسب تماماً لبدء سلسلة من الاحتفالات المئوية التي ستنقله من نيويورك إلى لندن، وأخيراً إلى مسقط رأسه في فورث، ألمانيا. 

طول عمر والدي معجزة بشكل خاص حين يفكر المرء في النظام الصحي الذي اتبعه طوال حياته الناضجة والذي يتضمن نظاماً غذائياً ثقيلاً به الكثير من اللحوم، ومهنة صنع القرار بلا هوادة، وحب الرياضة كمتفرج فحسب، ولم يكن مشاركاً قط.
فعلى ماذا يعود الفضل في طاقته العقلية والجسدية الدائمة؟ لديه فضول لا يهدأ يبقيه منخرطاً ديناميكياً مع العالم. وعقله هو سلاح يبحث عن الحرارة يحدد ويصارع التحديات الوجودية في اليوم. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، كانت القضية هي ظهور الأسلحة النووية وتهديدها للبشرية. ومنذ نحو خمس سنوات، حين كان شاباً واعداً يبلغ من العمر 95 عاماً، أصبح والدي مهووساً بالتأثيرات الفلسفية والعملية للذكاء الاصطناعي. وأثناء توزيع لحوم الحبش (الديك الرومي) في عيد الشكر في السنوات القليلة الماضية، كان يجترع تداعيات هذه التكنولوجيا الجديدة، بطرق تذكر أحفاده أحياناً بقصص في أفلام تيرمينتور (المدمر). 

ومع انغماسه في الجوانب التقنية للذكاء الاصطناعي بشغف طالب دراسات عليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نسج النقاش حول استخدامات الذكاء الاصطناعي برؤيته الفلسفية والتاريخية الفريدة.
والسر الآخر لقدرة والدي على الصمود هو إحساسه بالرسالة. فعلى الرغم من أنه تم تصويره باعتباره واقعياً بارد المشاعر، لكنه ليس بارد المشاعر بالمرة. ويؤمن إيماناً عميقاً بالمفاهيم المبهمة مثل الوطنية والولاء والحزبية. ويؤلمه أن يرى القبح في الخطاب العام اليوم والانهيار الظاهري لفن الدبلوماسية. وحين كنت طفلاً، أتذكر دفء صداقاته مع أشخاص ربما تكون سياستهم مختلفة عن سياسته، مثل كاي جراهام وتيد كينيدي وهوبير همفري. 

أحب كينيدي المزاح العملي الذي استمتع به والدي كثيراً، مثل دعوة أبي إلى مكتبه في المنزل والادعاء بأن لديه سموراً مخبأ في الخزانة. وحتى مع استمرار توترات الحرب الباردة، كان السفير السوفيتي لدى الولايات المتحدة أناتولي دوبرينين ضيفاً متكرراً في منزلنا. كان الاثنان يلعبان من حين لآخر الشطرنج بين التفاوض على القضايا التي تؤثر على الكوكب بأسره.
لم يكن لدى والدي أي أوهام بشأن الطبيعة القمعية للنظام السوفييتي، لكن هذه المحادثات المنتظمة ساعدت في تهدئة التوترات في وقت بدت فيه القوى النووية العظمى وكأنها في مسار تصادمي. ياليت تحدث مثل هذه الحوارات المنتظمة فحسب بين كبار اللاعبين في التوترات العالمية الحالية. وبخلاف الشطرنج، لم تكن الدبلوماسية لعبة لدى والدي قط. لقد مارسها بالتزام ومثابرة ولدت من رحم التجربة الشخصية. وكلاجئ من ألمانيا النازية، فقد 13 عضواً من أفراد عائلته وعدداً لا يحصى من الأصدقاء في الهولوكوست. وعاد إلى وطنه ألمانيا كجندي أميركي، وشارك في تحرير معسكر اعتقال بالقرب من هانوفر. وهناك، شاهد الأعماق التي يمكن للبشرية أن تغوص فيها دون قيود من الهياكل الدولية للسلام والعدالة. وفي الشهر المقبل، سنعود إلى «فورث» حيث سيضع إكليلاً من الزهور على قبر جده الذي لم يهرب. 
أعلم أنه لا يمكن أن يكون هناك ابن موضوعي حقاً بشأن إرث والده، لكنني فخور بجهود والدي لترسيخ فن الحكم بمبادئ متسقة وإدراك للواقع التاريخي. وهذه هي المهمة التي سعى إليها في الجزء الأكبر من قرن، مستخدماً اتقاد ذهنه النادر وطاقته التي لا تتضعضع لخدمة البلد الذي أنقذ عائلته وأطلقه في رحلة تتجاوز أشد أحلامه جموحاً. 

*نجل الدبلوماسي الأميركي البارز هنري كيسنجر ورئيس شركة الإنتاج التلفزيوني كوناكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسينج آند سينديكشن»