أتاحت شبكة من الخنادق التي تم حفرها في العصور الوسطى للمزارعين في قرية ليتور جنوب إسبانيا بزراعة أشجار الزيتون والطماطم والبصل في واحدة من أكثر المناطق القاحلة في أوروبا لقرون عدة. والآن، فإن الجفاف القاسي الذي ينتشر في جميع أنحاء القارة يهدد حتى هذه الواحة القديمة.
لقد أبقى النظام المعقد أراضي القرية رطبة وباردة خلال الحروب والغزوات الأجنبية والكوارث الطبيعية. لكن 200 مزارع يعتمدون عليه بدأوا في القلق لأول مرة، حيث تنخفض مستويات المياه في العديد من السدود العملاقة في إسبانيا إلى أدنى مستوياتها غير المسبوقة، والقنوات التي تم بناؤها في السبعينيات والتي حولت المنطقة المحيطة إلى قوة زراعية بدأت في الجفاف.
إذا استمر الجفاف لفترة أطول، يخشى «لويس لوبيز»، أحد المزارعين، من أن المزارع الصناعية القريبة التي تستخدم نظام الري الحديث لزراعة المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه، مثل الخس والبطيخ قد تبدأ في الاستفادة من إمدادات منطقة ليتور.
لقد عانت إسبانيا، موطن الصحراء الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، الجفاف بشكل أكثر حدة ولفترة أطول من الاقتصادات الرئيسية الأخرى في الاتحاد الأوروبي. إذ إن قربها من أفريقيا يضعها مباشرة في مسار تيارات الهواء الساخن، وهي تشق طريقها شمالاً من الصحراء الكبرى. لكن الحرارة لا تتوقف في إسبانيا. أصبح الطقس الأكثر حرارة وجفافاً هو القاعدة في جميع أنحاء أوروبا. تعد معركة المياه التي تختمر في ليتور نذيراً للصراعات التي ستندلع في أماكن أخرى، وأياً كان ما يحدث لصناعة الزراعة في إسبانيا - وهي مصدر رئيسي للبقالة لجيرانها - ستشعر به في جميع أنحاء المنطقة.
تقول «ناتالي حلمي» الخبيرة الاقتصادية البيئية في مركز ساينتيفيك دي موناكو: «إسبانيا هي سلة غذاء أوروبا ونقص المياه هناك، ونقص الإنتاج الزراعي مسألة بقاء. لقد أصبحت مشكلة مالية أيضاً؛ لأن هناك حاجة إلى إنفاق المزيد من الأموال في العثور على الطعام».
يمكن أن تكون فترات الجفاف التي تستمر لعدة سنوات مدمرة لأن قطاعات، مثل الزراعة ليس لديها وقت للتعافي، لذلك تتراكم التأثيرات موسماً بعد الآخر، وتنمو بشكل كبير. من المرجح أن ينخفض إنتاج زيت الزيتون الإسباني - الذي يمثل 45% من المعروض العالمي - بأكثر من النصف هذا الموسم، بينما من المتوقع أن تنخفض الحبوب، مثل القمح والشعير بنسبة تصل إلى 60%، وفقا لجابرييل ترينزادو، مدير شركة تعاونيات الأغذية الزراعية في إسبانيا، وهي مجموعة صناعية زراعية.
ليس الوضع خطيراً بعد في أجزاء أخرى من الاتحاد الأوروبي، حيث تشير التوقعات الرسمية إلى أن محصول الحبوب ككل سينتعش بنسبة 7% تقريباً مقارنة بالموسم الماضي. كما تحسن هطول الأمطار في فرنسا، أكبر منتج للحبوب في الكتلة، منذ موجة الجفاف الشتوية، وتسجل معدلات محصول القمح لعام 2023 أعلى معدلاتها لهذا الوقت منذ أكثر من عقد. في بعض المناطق، تهطل أمطار غزيرة، مع تأجيل زراعة الشعير وبنجر السكر في أجزاء من ألمانيا بسبب تأخر هطول الأمطار.
لا يتعين على المزارعين في جميع أنحاء المنطقة التعامل مع الجفاف فحسب، بل يتعين عليهم أيضاً مواجهة طقس أقل قابلية للتنبؤ به بشكل عام. في العام الماضي، شهدت إسبانيا موجة حر مماثلة لتلك التي عصفت بالبلاد في أبريل الماضي، إلى أن أحدثت العاصفة «سيريل» انخفاضاً غير عادي في درجات الحرارة، مما أدى إلى خسائر تقدر بملايين اليورو لمنتجي الفاكهة والجوز.
تكافح الاستعدادات في أوروبا لمستقبل أكثر جفافاً لمواكبة التغير السريع للمناخ، إذ ارتفعت درجة حرارة القارة بسرعة تقترب من ضعف السرعة المسجل في بقية العالم على مدى العقود الثلاثة الماضية، وفقاً لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية، وكان التأثير الاقتصادي كبيراً.
وتسببت مستويات الأنهار المنخفضة بشكل قياسي في خسائر بالمليارات من ممرات الشحن المزدحمة. كما أنها تضر بتوليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية والمحطات النووية، مما يزيد من نقص الطاقة الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا ويساهم في أسوأ أزمة تكلفة معيشية واجهتها أوروبا منذ أجيال. وقد يؤدي تلف المحاصيل الناجم عن الجفاف إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
كما يؤدي تضاؤل التدفق في بحيرات وبحار أوروبا إلى تفاقم المخاطر البيئية عن طريق رفع درجات حرارة المياه وإلحاق الضرر بالنظم البيئية، وفقاً لخدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ. وهناك احتمالية أكبر لحدوث حرائق غابات.
في إيطاليا، حيث يتسبب نقص المياه في اختناق المنطقة الزراعية الأكثر إنتاجية في البلاد، أصبحت الأزمة أولوية حكومية تديرها وحدة خاصة يقودها نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني. ووضعت فرنسا، التي عانت هذا العام أطول فترة شتاء غير ممطرة على الإطلاق، هدفا جديدا لخفض استهلاك المياه بنسبة 10% بحلول نهاية هذا العقد.
سارعت الحكومة الإسبانية إلى إيجاد حلول. على الرغم من إنفاق المليارات لتحسين نظام إدارة المياه، لا تزال خزانات إسبانيا عند حوالي نصف طاقتها. في اجتماع طارئ لمجلس الوزراء أعطى المسؤولون الضوء الأخضر لحزمة بقيمة 2.2 مليار يورو تتضمن إعفاءات ضريبية ومساعدة للمزارعين، إضافة إلى الإجراءات التي تم الإعلان عنها بالفعل والتي ستتكلف 22 مليار يورو. 

الأمر الأكثر إثارة للجدل هو أن الحكومة ستحد من كمية المياه المستخدمة لري المحاصيل. وقد أثارت هذه الخطوة غضب المزارعين وشجعت السياسيين المحافظين قبل الانتخابات المحلية التي ستُجرى في وقت لاحق من هذا الشهر، والتي يُنظر إليها على أنها رائدة في آفاق رئيس الوزراء «بيدرو سانشيز»، بينما يسعى لإعادة انتخابه في ديسمبر المقبل. كما اصطدم سانشيز، الذي دفع باتجاه اتخاذ تدابير أقوى لمواجهة تغير المناخ، مع المشرعين اليمينيين الذين يسعون لتوسيع حقوق المياه للمزارعين في واحدة من أكثر الأراضي الرطبة بدائية في أوروبا، وتقع في جنوب إسبانيا.

ألونسو سوتو

صحفي لدى بلومبيرج، يكتب عن الاقتصاد والسياسة في إسبانيا.

لورا ميلان
صحفية لدى بلومبيرج، تغطي أخبار تغير المناخ.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»