قبل أن ينطلق المسار الحالي لارتفاع درجة حرارة الكوكب الذي يغذيه الكربون خلال القرن العشرين، كان أكبر ارتفاع في درجات الحرارة في التاريخ المسجل هو فترة العصور الوسطى الدافئة. وأعلن العلماء هذا الأسبوع في مجلة نيتشر أنهم وجدوا طريقة جديدة لفك رموز مناخ هذه الفترة.

وتتطابق نتائجهم مع النماذج المناخية الحالية بطريقة تمنح الباحثين مزيداً من الثقة في قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل. ولا يعرف العلماء بالضبط سبب فترة العصور الوسطى الدافئة التي استمرت منذ نحو 800 إلى 1400 ميلادية، على الرغم من اتفاقهم على أنها كانت نتيجة للتقلبات الطبيعية في مناخ الأرض.

ومهما يكن من أمر السبب الدقيق، فإن ارتفاع حرارة الكوكب، ربما أقل من درجة مئوية واحدة في ذروة الفترة - غير الشؤون الإنسانية للأفضل وللأسوأ. فقد نما العنب بشكل غزير في إنجلترا وازدهرت ثمار الحمضيات في الصين. وفي جميع أنحاء شمال أوروبا، انتشرت أراضي الرعي والمزارع شمالا إلى جزر آيسلندا وجرينلاند التي كانت محظورة في السابق. لكن في جنوب غرب أميركا وأميركا الوسطى، ساهمت موجات الجفاف الكبيرة المتكررة في انهيار الحضارات.

وحتى وقت قريب، اختلف العلماء حول مدى دفء فترة العصور الوسطى الدافئة. وتوصلت دراسات أجريت على مدار العقود الأخيرة إلى استنتاجات مختلفة. فقد أظهر بعضها أنها كانت أكثر دفئا مما هو الحال عليه اليوم، بينما قال البعض الآخر إنها لم تكن قريبة بحال من الأحوال من الوضع الحالي. ويقدر العلماء أن مناخ اليوم قد ارتفعت درجة حرارته بالفعل بمقدار 1.1 درجة مئوية أو 1.2 درجة مئوية فوق خط الأساس لما قبل الصناعة.

وتعد الدراسات التي تتعقب المناخ الماضي ذات قيمة كبيرة في الكشف عن خلفية الطبيعة التي يحدث على أساسها الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري. ويجب عليهم أيضا تذكيرنا بأنه حتى التقلبات الطفيفة في المناخ قد تغير مجرى تاريخ البشرية. وقال المؤلف الرئيسي للورقة البحثية الجديدة، ياسبر بيوركلوند، وهو خبير في حلقات الأشجار في المعهد الاتحادي السويسري لأبحاث ثلج الغابات والمناظر الطبيعية، إن الأمر الذي له صلة خاصة بالوضع الحالي هو حقيقة أن قياسات حلقات الأشجار تتماشى مع النماذج المناخية لأول مرة. وحتى الآن، يمكن لنقاد النمذجة المناخية أن يجادلوا بأن النماذج، عند التقهقر بها، لم تتنبأ بفترة العصور الوسطى الدافئة كما تم قياسها بوساطة التقنيات السابقة.

وقد تعود بنا حلقات الأشجار إلى نحو ثمانية آلاف عام. وتعيش أقدم الأشجار في العالم نحو خمسة آلاف عام، لكن يمكن للعلماء التعمق أكثر في الماضي باستخدام الأخشاب الميتة، سواء على الأرض أو فيما صنع الإنسان، أو المحفوظة في الرواسب التي تفتقر إلى الأكسجين في قاع البحيرات والمستنقعات.

وتمكن فريق بيوركلوند من قراءة حلقات الأشجار بشكل أساسي وصولاً إلى البصمات الدقيقة من خلال النظر إلى جدران الخلايا المجهرية. وهذا ما يسمونه «تقنية الخشب التشريحية»، وهو يمنحهم طريقة أكثر دقة لقياس المناخات الماضية. ونظر هو وزملاؤه إلى الأشجار من منطقة معينة، فينوسكانديا، في شمال الدول الاسكندنافية، لكنهم يخططون لتوسيع التقنية الجديدة إلى مناطق أخرى. وقد يعطي سمك حلقات الأشجار تقديراً تقريبياً للمناخ خلال العام الذي صنعت فيه الحلقة، وعلى مر السنين صقل العلماء هذه التقنية باستخدام الأشعة السينية لقياس كثافة الخشب.

وذكر بيوركلوند أنهم في هذه الدراسة، نقحوا البيانات بشكل أكبر من خلال النظر إلى الأجزاء الأكثر حساسية للمناخ من جدران الخلايا التي تكون موازية للحلقات وسطح اللحاء. وأحدث العمل السابق على حلقات الأشجار ثورة في فهم المجتمع لعصرنا الحالي لتغير المناخ. وكان العلماء يعرفون منذ عام 1896 أن ثاني أكسيد الكربون آخذ في الازدياد، وهو مكون صغير من غلافنا الجوي، لكنه يلعب دوراً كبيراً في ارتفاع درجة حرارة الأرض. لكن معدل التغيير النسبي أصبح أكثر وضوحاً في عام 1998، حين استخدم العلماء حلقات الأشجار بالإضافة إلى سجلات الطبيعة الأخرى لإنشاء ما أصبح يعرف باسم الرسم البياني لعصا الهوكي.

وعلى الرغم من الهجمات المتكررة وحملات المعلومات المضللة، تم تحسين عصا الهوكي وتكرارها من كثيرين من علماء المناخ. وتُظهر أحدث الرسوم البيانية لدرجات الحرارة العالمية الماضية ارتفاعاً طفيفاً تلاه فترة باردة بدأت في القرن الخامس عشر، والمعروفة باسم العصر الجليدي الصغير، يليها ارتفاع بدأ في منتصف القرن التاسع عشر وأصبح منحناه شديد الانحدار بحلول منتصف القرن العشرين.

وتميل فترات الدفء إلى جلب الجفاف إلى الأميركتين مما دفع شعوب المايا في العصور الوسطى من مدنهم إلى بلد أكثر رطوبة، ودمرت المزارع فيما يعرف الآن بنيو مكسيكو. لكن في أوروبا، تزايد عدد السكان أكثر من ثلاثة أمثال، ووسع الإسكندنافيون صناعة الألبان وزراعتها إلى أيسلندا وجرينلاند ونيفاندلاند، حيث واجهوا للمرة الأولى الإنويت، أحفاد الشعوب التي جاءت من الشرق عبر مضيق بيرينج قبل آلاف السنين.

لكن بحلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح المناخ أقل استقرارا، مع هطول أمطار غير متوقعة وتقلبات في درجات الحرارة. ودمر الطاعون المعروف باسم الموت الأسود أوروبا. وأدى الطقس غير المستقر إلى عدم القدرة على التنبؤ بغلات المحاصيل ما أدى إلى سوء التغذية، مما جعل الناس أضعف، وفي حالة الطاعون الأسود، أدت التغيرات في المناخ إلى ازدهار أعداد القوارض التي غالباً ما تنقل البراغيث المعدية. ودفع العصر الجليدي الصغير أيضاً الإسكندنافيين في جرينلاند لمحاولة تكملة وجباتهم الغذائية بالأسماك والثدييات البحرية، لكن في النهاية بسبب البرد وقلة الأمطار، ماتت محاصيلهم وماشيتهم واختفت في وقت ما خلال القرن الخامس عشر. وبالطبع، هناك عوامل كثيرة تحرك التاريخ. فقد يساعد التقدم التكنولوجي البشرية بقدر ما يساعد الطقس الجيد. وتضر الحرب بالحضارة بقدر الضرر الذي يسببه جفاف. لكن لا مفر من المناخ. وهذه النماذج المناخية المدعومة بملاحظات مثل بيانات حلقات الأشجار، تبدو أكثر قوة، وهي علامة تنذر بالخطر على مستقبلنا الذي لا يزال يتكشف.

*صحفية علمية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»