مخطئ مَن يعتقد أن التطرف الإرهابي له صورة نمطية لا تتغير، فالإرهاب فكرة شريرة شيطانية قادرة على التحول والتغير والتكيف، ونمطيته الثابتة الوحيدة تتمثل في محتواه الإقصائي الإلغائي بحق كل مخالف.

واليوم، ومع تطور التقنية الرقمية إلى حدود اختراع الذكاء الاصطناعي، فإن هذا التسارع في التقدم التكنولوجي يجعلنا أيضاً نَقلق مِن توظيفه إرهابياً، وهو ما يعني ضرورةَ إحداثِ تطورٍ موازٍ، ومتسارع هو أيضاً، في أجهزة مكافحة الإرهاب في العالم، وهذا يعني كذلك ضرورةَ تكاتف جهودها وتعاونها الحيويين لمواجهة المخاطر والتهديدات الإرهابية.

واليوم، يمكن للإرهابي أن يكون مبرمِجاً أو مطوِّراً تقنياً ذا معارف ومهارات تقنية ويتحدث اللغات الأجنبية بطلاقة ملحوظة، ويرتدي البذلات المدنية ويتعطر بأغلى العطور.. لكنه في داخله لا يزال يحمل عقليةَ رجل الكهف الذي لم يتطور بعد، متمسكاً بتطرفه وذهنه الإرهابي، لأسباب عديدة ويحاول أن ينفذ مهماته عبر التقنيات الحديثة. والإرهاب نفسُه قد يكون في برنامج حاسوبي متطور قادر على تَدمير بنى تحتية كاملة، أو في ذكاء اصطناعي له قدرة الابتكار في إرهاب الناس.هذا كله ليس فيلم رعب، بل وقائع يمكن أن ينتجها الواقع، ومن الحكمة أن ننتبه إليها، ومن المريح أن ندرك أن دولا عديدة تملك من اليقظة حداً كبيراً ومن الجاهزية مستوى عالياً، ولا تفتأ تحذِّر العالَمَ من تلك الأخطار.

ولعل آخر ذلك برقيات التنبيه الإماراتية للعالم في الأمم المتحدة، وتحديداً في في اجتماع اللجنة السادسة بشأن التدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي، حول ضرورة عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية، داعيةً في الوقت ذاته إلى العمل على الوقاية من التطرف عبر تعزيز قيم التسامح والتفاهم المتبادل، ومنع استغلال الجماعات الإرهابية للتقنيات المتطورة والناشئة.

وكان صوت الإمارات واضحاً، بلا التباس ولا تلعثم، وقد جاء على لسان الدبلوماسية تحرير المرزوقي، عضو البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، حين قالت إن الجماعات الإرهابية تواصل تطويرَ أساليبها وتغيير استراتيجياتها لتحقيق أهدافها التي تهدد السلمَ والأمنَ الدوليين، على الرغم من التقدم الذي أحرزه المجتمع الدولي في مكافحة خطر الإرهاب.

وتصبح الفكرة أكثر عمقاً وتعكس حجم إدراك واسع للبشر وسلوكهم حين تقول الإمارات في ذلك الاجتماع: «يقلقنا بشكلٍ خاص استمرار الجماعات الإرهابية في استغلال الصراعات والظروف الاقتصادية المتدهورة، والفراغ الأمني في المناطق التي تغيب عنها سيطرة الحكومات، لبسط سيطرتها ونشر أجندتها».

تلك نمطية من نمطيات الإرهاب المتطرف التي لا تتغير، ويجب الانتباه إليها والعمل على مواجهتها، وأعني هنا الظروف الاقتصادية والفراغات الأمنية، وفي حال تغيرت تلك الأوضاع نحو الأفضل، بحضور دول قادرة ومتمكنة من الحماية والأمن والتنمية، فإن الإرهاب المتطرف لن يجد له مساحةَ تنفس كافية ليعيش.

إن عدم تقديم «الذرائع» حالة دفاع استراتيجي مهمة لوقف الإرهاب، الذي يتغذى على استفزازات بعضه البعض، فعملية حرق نسخ المصحف الشريف حادثة إرهابية بحد ذاتها لا بد من وقفها، وهي استفزاز يغذي المتطرفين في الطرف الآخر للرد بأعمال متطرفة أخرى. الإرهاب فكرة شريرة لا يمكن الخلاص منها إلا بالوعي، واكتساب الوعي مهمة شاقة، لكن أساسها المعرفة والتعليم.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا