يمر العالم في حقبته الراهنة بظروف استثنائية، إذ بات متغيراً ومضطرباً أكثر مما كان عليه في الماضي، نتيجةً لكثرة الحروب والنزاعات وتوالي الأزمات الاقتصادية وتزايد الكوارث الطبيعية. فبعد وقوع جائحة كورونا، وتداعياتها السلبية التي عمت مختلف أنحاء العالم، وأدت إلى انهيار اقتصادي ومعاناة اجتماعية، ثم خلّفت وراءها نوعاً من الطاقة السلبية التي غيرت سلوك الأفراد والمجتمعات بشكل عام، اتضح أن الأرضية باتت مهيأةً لأنواع من التوتر والاضطراب في مختلف المجالات. لقد أصبحنا بعد هذه الجائحة نتلقى يومياً كميةً كبيرة من الرسائل المحبِطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيلاً من رسائل الإشاعات والتحذيرات المخيفة والأخبار الملفقة في معظمها، والتي لا تستند إلى مصدر موثوق، ومع ذلك فهي تزعم وجود فيروسات جديدة قادمة أخطر وأشد فتكاً من فيروس كورونا، وأن العالَمَ بسببها قد يصيبه الذهولُ والانهيار، وأن هناك استعدادات تجري لإنتاج لقاحات مضادة جديدة لمواجهة هذه الفيروسات، لكن اللقاحات الجديدة ستقضي في النهاية على البشر أنفسهم!
في عصر الإعلام الرقمي تكثر الإشاعاتُ المفزعة، والتي يتداولها الناس عبر هواتفهم وفي مجالسهم الخاصة، دون أن يدركوا أنها قد تكون مصدر وبال على الجميع، لأن الإشاعة رصاصة طائشة، وإيذاءٌ للناس وسببٌ في إرباك حياتهم، لدرجة أننا أصبحنا نستقبل كل يوم شائعةً من هذه الأراجيف الكثيرة، بما في ذلك الزعم بأن هناك مؤامرة من جهات دولية تسعى لتقليص أعداد البشر وللقضاء عليهم، لأنهم أصبحوا عبئاً على الأرض ومواردها، وبالتالي يتعين التخلص منهم لأن عددهم فاق المستوى الذي يمكن أن يتحمله الكوكب المزدحم.. وأن هذه الجهات الدولية تسعى إلى «المليار الذهبي»، كما يردد أصحاب نظرية المؤامرة!
وهكذا فإن شائعات من ذلك القبيل تجعلنا نشعر بمزيد من الخوف والقلق حيال المزاعم والأخبار الملفقة المتتالية.
وأظن أن سبب هذه الشائعات مادي في أغلب الحالات، إذ أن أصحابها يريدون الكسبَ السريع من خلال الترويج لحساباتهم الإلكترونية عبر نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على حساب راحة الآخرين وطمأنينتهم وسلامهم النفسي، أي من خلال زرع هواجس الرعب والفزع في عقول أفراد المجتمعات اعتماداً الأساليب الجديدة في صناعة الأكاذيب.
ولهذا يجب الانتباه إلى مثل هذه الممارسات وإلى خطورة الرسائل غير المسؤولة التي تشتمل عليها، وما تثيره من قلق وما تسببه من إرباك وعدم استقرار داخل المجتمعات البشرية ككل، والتي لا يزال بعضها يكافح للخروج من عواقب جائحة كورونا التي عصفت بالاقتصادات وشلت الكثير منها، وانعكست على المجتمعات التي بات معظمها مسكوناً بالخوف من المصير المجهول، كما تقلصت مظاهر التكافل الاجتماعي في كثير من هذه المجتمعات بسبب الضائقة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة، والتي تضررت منها طبقة الفقراء قبل غيرها.
وتبرز الأهمية القصوى للوعي الاجتماعي في مواجهة مخاطر الإشاعات الهدامة والأفكار الشريرة بالغة الخطر، وما يحث عليه من ضرورة توخي الحذر وأخذ المعلومة من مصادرها الصحيحة، أي المصادر الرسمية المسؤولة وذات الصلة، وليس من خلال التسريبات والإشاعات المغرضة وغير المسؤولة.. لكي تهدأ النفوس وتطمئن القلوب وتستقر الأحوال الفردية والأسرية والمجتمعية، ويستعيد الإنسانُ ثقته بالله خالق الكون ومسيره أولاً، ومن ثم بنفسه وبإمكانات بلده وسياساته وقراراته الرسمية، لاسيما إذا تعلق الأمر بدولة الإمارات العربية المتحدة، المحصنة بسياساتها الحكيمة ووعيها المتطور وإمكانياتها العالية المكرَّسة جميعاً لخدمة المجتمع الإماراتي وإسعاده، مما يضعها في مقدمة دول العالَم مِن حيث الاستعداد لأي طوارئ والتصدي لأي تهديدات، حفاظاً على أمن وصحة مواطنيها والمقيمين على أرضها، كي يعيش الجميع بأمن وسلام وطمأنينة، والله خير الحافظين. 

*كاتب سعودي