قبل 7 أكتوبر، كان المحلّلون قلقين أكثر بشأن الضفة الغربية، وليس غزة، باعتبارها الشرارة التي قد تشعل العنف الإسرائيلي والفلسطيني. وكانت السنة قد شهدت زيادة في العنف بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، الذين شعروا بالتشجيع بعد وصول مجموعة من الوزراء اليمينيين المؤثّرين إلى مناصب عليا في حكومة بنيامين نتنياهو. فقد رصدت منظمات حقوق الإنسان تصعيداً في هجمات المستوطنين المسلحين، الذين اقتحموا قرى فلسطينية، وخرّبوا ممتلكات فلسطينية، ودمّروا محاصيل فلسطينية. وشهدت البيئة الأمنية المتوترة زيادة في نشاط الحركات الفلسطينية، بالنظر إلى نشر الجيش الإسرائيلي للجزء الأكبر من قواته لمواجهة التهديدات المتصوَّرة في الضفة الغربية. 
والواقع أنه حتى قبل أعمال العنف الدموية التي ارتكبتها «حماس» في البلدات والكيبوتسات الإسرائيلية الجنوبية قبل ثلاثة أسابيع، والتي أدت إلى رد إسرائيلي عقابي وعنيف، كانت 2023 أكثر سنة دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ عقدين. ولكن في أعقاب أكثر يوم دموية في تاريخ إسرائيل، تغيرت موازين القوة أكثر بكثير. ففي ظل الحرب المتواصلة في غزة، كثّف المستوطنون الإسرائيليون هجماتهم على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية. فقد قامت مجموعات من المستوطنين، التي يجول بعضها على متن دراجات نارية رباعية العجلات، بإضرام النار في المنازل الفلسطينية. ونهاية هذا الأسبوع، قُتل بالرصاص رجلٌ فلسطيني كان يحصد الزيتون من قبل مستوطن يهودي. 
وتقول منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسيلم» إن 7 فلسطينيين على الأقل قُتلوا على أيدي المستوطنين الإسرائيليين منذ بدء الحرب في غزة، ووفقاً للأمم المتحدة، فإن أكثر من 100 فلسطيني قُتلوا في الضفة الغربية على أيدي القوات الإسرائيلية خلال الفترة نفسها مع احتدام التوتر. كما طُرد مئات الفلسطينيين من منازلهم من قبل المستوطنين، الذين يبدو أنهم يتصرفون من دون خوف من العقاب. وقد أثار ذلك مخاوف بين الفلسطينيين في الضفة الغربية من إمكانية أن تكون لحظة التوتر الحالية تمهيداً لحملة أوسع من العنف والطرد. 
وتعليقاً على هذا الموضوع قال طارق مصطفى، الذي فرّ من منزله في منطقة وادي السيك بعد تهديدات من المستوطنين المسلحين، لزملائي: «إن الحرب في غزة أعطت المستوطنين الضوء الأخضر»، مضيفاً «من قبل، كانوا يصرخون ويقولون لنا أن نذهب إلى رام الله، أما الآن، فإنهم يقولون لنا أن نرحل إلى الأردن».
والواقع أن الحملة الإسرائيلية ضد «حماس»، المتحصنة في قطاع غزة، تهيمن على الاهتمام على نحو يمكن تفهمه، ولكنها سمحت للوضع المتدهور أصلاً في الضفة الغربية بالتدهور في اتجاه مثير للقلق. وفي هذا الصدد، كتبت الصحافية الإسرائيلية أميرة هاس من صحيفة «هآرتس» تقول: «إن انعدام الانتباه سمح للمستوطنين وأجهزة الإنفاذ التابعة لهم، الرسمية (الجيش والشرطة) وشبه الرسمية (ضباط الأمن في المستوطنات والمتطوعون اليمينيون الذين يعملون كمرافقين)، بتصعيد هجماتهم ضد المزارعين والرعاة الفلسطينيين ولديهم هدف واضح، ألا وهو: طرد المزيد من المجتمعات من أراضيهم ومنازلهم». 
وتضم حكومة نتنياهو اليمينية عدداً من السياسيين المتطرفين الذين يناصرون بشكل واضح توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وضم بعض أراضيها، وهي أمور ينظر إليها المجتمع الدولي عموماً باعتبارها غير قانونية وعائقاً أمام إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. وتُعد هذه الأخيرة قضية مرفوضة تماماً من قبل شخصيات مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، اللذين ينحدران من اليمين المتطرف إلى مناصب نفوذ في حكومة نتنياهو. وكان سموتريتش دعا هذا العام إلى تسوية بلدة فلسطينية بكاملها بالأرض في الضفة الغربية. هذا في حين تجوّل بن غفير، خلال الأسابيع الأخيرة، في عدد من البلدات الإسرائيلية ومستوطنات الضفة الغربية، حيث قام بتوزيع أسلحة نارية قوية على المدنيين المحليين. 
وفي الأثناء، حثّت إدارة بايدن، بعد أن استشعرت المشاكل التي تلوح في الأفق، إسرائيل على كبح جماح مستوطنيها المتطرفين. وقال الرئيس بايدن الأسبوع الماضي، إن تصرفاتهم وتحريضهم «تصبّ البنزين» على نار وضع متقلب أصلا. ولكن في المناخ الحالي، ومع تصميم نتنياهو على «انتقام قوي»، الأقوال أسهل من الأفعال. 
وفي هذا الصدد، كتب أليكس ليدرمان من «منتدى السياسات الإسرائيلية»: «إن أي حكومة إسرائيلية تتمتع بحس المسؤولية كانت ستتعامل مع التحدي الذي تواجهه إسرائيل في الضفة الغربية باعتباره معركة على جبهتين كما هو واقع الحال بالفعل: ضد العنف الفلسطيني واليهودي على حد سواء»، مضيفا «غير أن هذه المشكلة تتجاوز واقع إسرائيل السياسي الحالي. ومثلما تدفع هذه الحرب الإسرائيليين لطرح تساؤلات بشأن أفكار وافتراضات قديمة حول الكيفية التي ينبغي لإسرائيل أن تتعامل بها مع التحديات التي تطرحها«حماس» في غزة، فإنه ينبغي لها أيضاً أن تحفّز على التفكير في العبء الأمني غير الضروري والممكن تجنّبه الذي تتسبب فيه الحركة الاستيطانية». 
في الضفة الغربية، يستعدّ الفلسطينيون العاديون لما هو أسوء في المستقبل. وفي هذا السياق، كتبت الصحفية داليا حتوقة المقيمة في رام الله أن: «الأجواء مفعمة بالخوف بينما يتذكر الناس الغزو الإسرائيلي لعام 2002 الذي دمّر معظم البنية التحتية للضفة الغربية وخلّف العديد من القتلى»، مضيفة «إن تكراراً لذاك الغزو هو الشبح الذي يسيطر على تفكير الناس وهم يفرغون رفوف متاجر البقالة تحسباً لأيام طويلة أخرى يقضونها عالقين في الداخل بسبب حظر للتجول يفرضه الجيش، حظر تجول قد يأتي أو لا يأتي».


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سيندكيشن»