كان الطيّار كلارنس تشيليس ومساعده جون ويتيد يقودان طائرة تجارية من هيوستن إلى أتلانتا حينما رأيا فجأة ضوءاً مبهراً قادماً نحوهما مباشرة، ضوء أسرع من أن يكون طائرة أخرى، على الأقل وفقاً لمعايير 1948. كان شكل المركبة يشبه جسم طائرة من دون جناحين، وكان اللون الأزرق يتوهج من تحت جسمها. وبعد أن مرّت بسرعة خاطفة، أطلق الجسم ما يشبه اللهب قبل أن ينطلق مسرعاً نحو السحب ليختفي. إثر ذلك، فتحت القوات الجوية الأميركية تحقيقاً في هذا الحدث الغريب في إطار مشروع «ساين»، الذي كان أولَ برنامجٍ بحثي لها حول الأجسام الطائرة المجهولة. 
كانت هذه واحدة من قصص عديدة حول الأطباق الطائرة يتضمنها كتاب «الجسم الطائر المجهول.. قصة بحث الحكومة الأميركية عن حياة كائنات فضائية هنا وهناك»، كما يحكيها الكاتب والصحفي الأميركي غاريت إم غراف. في هذا الكتاب، يبحث غراف، ضمن ثلاثة أقسام زمنية، عقوداً من الأبحاث العلمية، الفيدرالية والخاصة، حول الأجسام الطائرة المجهولة وعلاقتها بالحياة الافتراضية لكائنات فضائية خارج كوكب الأرض. 
وعلى الرغم من عدم وجود شيء ملموس يربط الأجسام الطائرة المجهولة بالكائنات الفضائية، إلا أن الاثنين مترسخان بقوة في الوعي العام. و«السؤال الذي يطرحه الناس حقاً حينما يسألون عما إن كانت الأجسام الطائرة المجهولة حقيقيةً هو: هل نحن وحدنا؟» يكتب غراف. وهذا هو السؤال المحوري الذي يسعى الكتاب للإجابة عنه. 
غراف، الذي ألّف من قبل كتابَيْ «تاريخ جديد لفضيحة ووترغيت» و«الطائرة الوحيدة في السماء»، انكب على دراسة الثمانين عاماً الماضية من تاريخ الأجسام الطائرة المجهولة، مقدماً تفاصيل كثيرة عن اللاعبين الأساسيين والبرامج والمواد والمصادر الأساسية. وتبدأ القصة الحديثة للأجسام الطائرة المجهولة في الغالب، كما هو الحال هنا، بالتقاء حدثين في عام 1947: فقد رأى طيّارٌ يُدعى كينيث آرنولد، حين كان يحلّق بالقرب من جبل رينييه، 9 أجسام لامعة تطير بسرعة أكبر من أي شيء سبق له أن رآه في حياته. وفي وقت قريب زمنياً من رؤية آرنولد، تحطّم شيءٌ ما في نواحي روزويل بولاية نيو مكسيكو. وأعلن الجيش الأميركي في البداية أن الأمر يتعلق بطبق طائر، قبل أن يعدل عن ذلك لاحقاً ويقول إن الجسم المتحطّم هو بالون للأرصاد الجوية. 
هذه المشاهدات عجّلت بسيلٍ من حالات الإبلاغ عن رؤية أجسام طائرة مجهولة. ومع أن المسؤولين كانوا متشككين، إلا أن تلك الإبلاغات أثارت مخاوف بشأن الأمن القومي الأميركي. ف«هل كانت الولايات المتحدة هدفاً للمراقبة والاستطلاع بواسطة سلاح فضائي سوفييتي سري؟» يكتب غراف عن التوجسات التي كانت سائدة آنذاك. كان المسؤولون الأميركيون يخشون قيام السوفييت بمراقبة ما يجري على الأرض، على غرار جهود الضابط في القوات الجوية الأميركية تشاك ييغر الرامية إلى تحطيم حاجز الصوت. ويكتب غراف في هذا الصدد: «لقد كانت بعض المشاريع السرّية التي تغيّر العالَم، مثل مشروع ييغر، سبباً كبيراً في قلق الجيش الشديد بشأن موجات مشاهدات الأطباق الطائرة». 

تلك المخاوف دفعت وزارة الدفاع في النهاية لإطلاق سلسلة من الدراسات حول الأجسام الطائرة المجهولة من قبيل مشاريع «ساين» و«غرادج»، و«بلو بوك» التي انكبت على التحقيق في قصص الأطباق الطائرة على مدى أكثر من 20 عاماً. لكن النتيجة العامة لتلك الدراسات الحكومية ظلت ثابتة. وقد لخّص العقيد في القوات الجوية روبرت لاندري هذا الرأي مبكراً، إذ أشار إلى التقارير التي كان يقدّمها للرئيس هاري ترومان كل ثلاثة أشهر: «لم تحصل أجهزة الاستخبارات على أي شيء جوهري يعتبر ذا مصداقية أو مهدّداً للبلاد على الإطلاق». كما أفادت لجنة أُنشئت من أجل مراجعة مشروع «بلو بوك» بأنه من بين أكثر من 10 آلاف مشاهدة مسجلة في قاعدة بياناتها «يبدو أنه لا توجد أدلة مؤكدة ومرْضية تماماً على حالة تقع بشكل واضح خارج إطار العلوم والتكنولوجيا المعروفة حالياً». ولهذا السبب، يكتب غراف: «اقترحوا إخراج التركيز على مسألة الأجسام الطائرة المجهولة من نطاق الأمن القومي». 
لكن مثل هذه الخلاصات قد تثير بعض الشكوك، ويُعزى ذلك جزئياً إلى أن الحكومة لم تكن تتعامل دائماً مع موضوع الأجسام الطائرة المجهولة بشفافية. وعلى سبيل المثال، فإن الجسم الذي تحطّم في روزويل لم يكن منطاداً للأرصاد الجوية، وإنما جزء من «مشروع موغول»، وهو نظامٌ لكشف التفجيرات النووية، وهي حقيقة لم تنكشف إلا في التسعينيات بعد ضغوط من الرأي العام، مما يُظهِر أن الجيش حرَّف الحقيقة.
في بداية الكتاب، يكتب غراف أن «تستر الحكومة على الأجسام الطائرة المجهولة كان في المقام الأول تستراً لا تحرّكه المعرفة وإنما الجهل. لكن هذا لا يعني أن الحكومة تعرف شيئاً لا تريد إخبارنا به، وإنما أن الحكومة غير مرتاحة لإخبارنا بأنها لا تعرف أي شيء على الإطلاق». غير أن ما لا يعترف به الكتاب تماماً هو أنه قد لا يكون هناك، في الحقيقة، الكثير الذي يمكن معرفته.
لكن اليوم يحاول الجيش الأميركي مرة أخرى معرفة كل ما يمكن معرفته. وبعد رحلة عبر الماضي، يصل كتاب غراف إلى الحاضر، حيث يُؤثِر المسؤولون تسمية الأجسام الطائرة المجهولة بـ«الظواهر الجوية المجهولة». هذا المصطلح الذي يبدو رصيناً يرمي إلى عكس الجاذبية المتجددة للموضوع، وهو تحولٌ يعزو غراف بدايته إلى الأحداث التي وقعت في عام 2017 حين كشفت القصص الإخبارية عن جهد يسمى «برنامج تطبيقات أنظمة الأسلحة الفضائية الجوية المتقدمة»، الذي استمر لمدة خمس سنوات تقريباً وانتهى في عام 2012. وبحسب وصف غراف، فإن البرنامج درس الظواهر الجوية المجهولة. 
غير أن وجود البرنامج، ووصفه في التغطية الإخبارية، وفيديوهات الأجسام الطائرة المجهولة التي رافقته كلها أمور غيّرت قواعد اللعبة. ويكتب غراف في هذا الصدد: «لقد أدت بالفعل إلى شيء جديد: تغيير حقيقي، ودائم حتى الآن على ما يبدو، في التصور العام حول الأجسام الطائرة المجهولة». ومنذ ذلك الحين، أنشأت وزارة الدفاع الأميركية مكتباً للتعامل مع «الظواهر الجوية المجهولة»، ووضع الجيش مبادئ توجيهية للإبلاغ عن المشاهد الغريبة، وأطلقت وكالة «ناسا» دراسة علمية حول الموضوع. 

محمد وقيف

الكتاب: الجسم الطائر المجهول.. قصة بحث الحكومة الأميركية عن حياة كائنات فضائية هنا وهناك
المؤلف: غاريت غراف
الناشر: آفيد ريدر برِس/ سايمون آند شوستر
تاريخ النشر: نوفمبر 2023