تحاول إدارة بايدن اجتياز وضع في غاية الصعوبة والتعقيد، وإيجاد توازن دقيق في الشرق الأوسط. ذلك أنه بينما تظل ثابتة في دعمها لإسرائيل في حربها ضد حركة «حماس»، تحاول الولايات المتحدة أيضاً تقليص الأضرار التي تلحق بالمدنيين الفلسطينيين في غزة، وتحجيم نطاق الصراع الذي يهدد بالاتساع عبر المنطقة.

غير أن المنتقدين - بمن فيهم المحتجون المؤيدون لوقف إطلاق النار الذين قاطعوا الرئيس بايدن في فعالية أُقيمت يوم الاثنين في تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية - يقولون إن تلك الجهود الرامية إلى التخفيف باءت بالفشل عموماً، وإن البيت الأبيض يشرف إما عن عمد أو على نحو خطأ على مذبحة كبيرة للفلسطينيين (23 ألفاً و210 أشخاص على الأقل، حسب آخر إحصاء). وخلال جولته الشرق أوسطية هذا الأسبوع التي شملت تل أبيب يوم الثلاثاء، واصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن هذه الجهود وسلّم رسائل من نظرائه العرب إلى المسؤولين الإسرائيليين، حاثاً حكومة الحرب التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خفض عملياتها العسكرية، وزيادة المساعدات الإنسانية للسكان الذين أنهكهم الجوع والمرض. كما أعاد التأكيد على دعم الولايات المتحدة للحملة الإسرائيلية، متجاهلاً المبادرة التي تقودها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية باعتبارها «عديمة القيمة».

زيارات بلينكن هذا الأسبوع خيّم عليها قلق إدارة بايدن من احتمال اتساع الحرب في المنطقة. ذلك أنه إذا كانت إسرائيل قد شرعت في سحب بعض قواتها من غزة - رغم أن الخسائر في أرواح الفلسطينيين لم تزدد إلا تفاقماً - فإن التوتر ما فتئ يزداد على حدودها الشمالية مع لبنان، حيث انخرطت القوات الإسرائيلية في تبادل يومي لإطلاق النار مع جماعة «حزب الله».

وفي هذا الصدد، نقل زملائي الصحافيون عن مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية قولهم: «إن خطر شن إسرائيل هجوماً طموحاً على (حزب الله) لم يختفِ أبداً... غير أنه كان هناك قلق أكبر بشأن تصعيد خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة مع إعلان إسرائيل عن سحبها المؤقت لآلاف عدة من الجنود من غزة في الأول من يناير - وهو قرار قد يفتح المجال أمام تسخير الموارد لعملية عسكرية في الشمال». ثم هناك السؤال المتعلق بمرحلة ما بعد الحرب في غزة.

فالمسؤولون الأميركيون يدفعون في اتجاه سيناريو يشهد مشاركة واستثمارات مهمة من جيران إسرائيل العرب، وعودة حكم إداري فلسطيني غير تابع لـ«حماس» إلى غزة، وإحياء المسار السياسي لحل الدولتين. غير أن إدارة بايدن تواجه في كل ذلك عقبات من داخل ائتلاف نتنياهو اليميني المتشدد. فقد أمضى رئيس الوزراء معظم حياته السياسية في إضعاف فرص حل الدولتين، وعاد إلى السلطة مع حلفاء أكثر يمينية يرفضون صراحة أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية، ويؤيدون المزيد من الاستيطان في الضفة الغربية، بل وحتى في قطاع غزة الذي نكبته الحرب.

والخطابُ القادم من داخل إسرائيل يجعل محاولات الولايات المتحدة الرامية إلى اجتراح خطة إقليمية لتهدئة الأزمة أكثر صعوبة. وأشار زملائي الصحافيون إلى أن (الفجوات بين الإسرائيليين والزعماء العرب تظل واسعة، إذ يدعو أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو إلى التهجير الجماعي للمدنيين من غزة، ويرفضون الدعوات الأميركية إلى اضطلاع سلطة فلسطينية «خضعت للإصلاح ونشطة» بدور في غزة في مرحلة ما بعد الحرب)، لافتين إلى رفض نتنياهو العلني السماح للسلطة الفلسطينية بفرض سيطرتها على غزة بعد الحرب. وتذهب بعض التحليلات إلى أن نتنياهو يخضع للقوى التي ستبقيه في السلطة - شخصيات مثيرة للجدل من اليمين المتطرف، مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

وفي هذا السياق، كتب عاموس هاريل في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية يقول: «إن هذين العضوين اليمينيين المتطرفين في الحكومة يعملان على تأجيج الخلافات بين إسرائيل وأميركا وإذكاء نيران الاستقطاب في إسرائيل... ويبدو أن نتنياهو أسير لديهما». وفي الوقت الراهن، يرفض نتنياهو وحلفاؤه التزحزح عن موقفهم. ويقول محللون، إن مسار الحرب والتوترات الإقليمية المتصاعدة قد تصب أيضاً في مصلحة إيران، عدو نتنياهو اللدود.

إيشان ثارور*

* صحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»