أعلن مسؤولون أميركيون نجاح الضربات التي استهدفت نحو 60 هدفاً تابعاً للحوثيين في اليمن نهاية الأسبوع الماضي. وقال مدير هيئة الأركان المشتركة الأميركية الليفتانت جنرال دوجلاس سيمز، يوم الجمعة، إن الولايات المتحدة «واثقة جداً» من أنها أضعفت قدرة الحوثيين على الاستمرار في مهاجمة السفن في البحر الأحمر بواسطة الصواريخ والمسيّرات، وهي الحملة التي أطلقتها الجماعة اليمنية، رداً على القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، كما قالت في بياناتها.

غير أن جزءاً كبيراً من الملاحة العالمية ما زال يلتفّ على نقاط العبور التي تقع ضمن مدى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. كما يبدو أن الحوثيين أنفسهم لم يتأثروا بهجمات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. فخلال تجمعات نظمت خلال عطلة نهاية الأسبوع في العاصمة اليمنية صنعاء، أفادت تقارير بأن أنصار الحوثي هتفوا: «نحن لا نبالي ولتكن حرباً عالمية!».

وفي يوم الاثنين الماضي، ضرب الحوثيون سفينةَ حاويات تملكها وتديرها الولايات المتحدة في خليج عدن. ويؤكد محللون بأن هذه المرحلة الجديدة من الأعمال العدائية قد تقوّي الحوثيين، بدلاً من أن تُضعفهم. فعقب هجوم حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، أطلقت إسرائيل عملية غير مسبوقة من حيث حجمها وضراوتها، مما أدى إلى تحويل جزء كبير من غزة إلى أنقاض وقُتل أكثر من 23 ألف شخص، وتم تهجير سكان غزة وتفقيرهم. ويُعد الحوثيون جزءاً مما يسمى «محور المقاومة»، وهو عبارة عن شبكة من الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران عبر الشرق الأوسط. ولئن كانت ميليشيات مثل «حزب الله» اللبناني ترغب على ما يبدو في تجنب تصعيد مباشر مع إسرائيل، فإن الحوثيين رموا بأنفسهم إلى قرص الضوء عبر تقمص دور المدافع عن القضية الفلسطينية، وهم يشددون على أن أعمالهم في البحر الأحمر ستتوقف حينما توقف إسرائيل قصفها.

وفي هذا السياق، قال لوران بونفوا، الباحث المتخصص في اليمن، بـ«معهد العلوم السياسية» في باريس: «إنهم حصلوا على ما يريدونه، ألا وهو الظهور بأنهم أكثر لاعب إقليمي جرأةً وإقداماً في ما يتعلق بمواجهة التحالف الدولي الذي يؤيد إسرائيل عموماً ولا يهتم بالناس في غزة»، مضيفاً: «وهذا قد يخلق شكلاً من أشكال الدعم لهم، دولياً وداخلياً». التعاطف مع الفلسطينيين يتجاوز الصراعات الداخلية والخصومات التي تقسّم اليمن. وفضلا عن ذلك، فإنه حتى خصوم الحوثيين تجنبوا تأييدَ الحملة الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضدهم، محذّرين من التصعيد.

ويمكن القول إن حقيقة كون الحوثيين يقاومون الضربات الجوية الدولية هو مصدر اعتزاز بالنسبة لهم! وفي هذا الصدد، قال مصطفى نعمان، وهو كاتب ومحلل يمني ودبلوماسي سابق، في مؤتمر صحفي في «تشاتام هاوس»، في ديسمبر الماضي، في وقت كانت تركز فيه القوى الغربية على الأعمال الدفاعية في البحر الأحمر: «أعتقد أنهم يحلمون بأن يهاجمهم الأميركيون أو الإسرائيليون، لأن ذلك سيحوّلهم إلى (قوة مقاومة)».

والواقع أن الحوثيين تكيفوا منذ فترة طويلة مع ضغوط الحروب وتحدياتها. وعلاوة على ذلك، فمن غير الواضح مدى رغبة واستعداد الولايات المتحدة وبريطانيا، القوتين الغربيتين اللتين شاركتا في ضربات الأسبوع الماضي، لشن حملة منسقة بغية الحد من قدرات الحوثيين. وفي هذا الإطار، قال جيرالد فيرشتاين، وهو سفير أميركي سابق لدى اليمن: «ربما خلص الحوثيون إلى أنه بعد أن صمدوا خلال الحرب الأهلية اليمنية، فمن المستبعد أن يؤدي الهجوم الجوي الأميركي على أهداف يمنية إلى التسبب لهم في أضرار أكبر أو أن أي ضرر يلحق بمعداتهم أو منشآتهم يمكن إصلاحه أو استبداله».

وأضاف قائلاً: «وعلاوة على ذلك، فإن هجوماً غربياً على أهداف عسكرية تابعة للحوثيين من شأنه أن يؤكد، من وجهة نظر الحوثيين، صحةَ دعايتهم من أنهم يقاتلون على الخطوط الأمامية لنصرة الفلسطينيين، وأن عملياتهم تحقق نجاحاً في تهديد مصالح الغرب». ومن جهتها، ترى «مجموعة الأزمات الدولية» أن حرب غزة وتداعياتها «تتيح للحوثيين فرصة لتلافي الضغوط الشعبية المتزايدة بشأن ممارساتهم في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وتمكّنهم من إخماد المعارضة لحكمهم عبر توقيف المعارضين في تلك المناطق بتوجيه تُهم التآمر مع إسرائيل والولايات المتحدة!».

وفي الأثناء، لا يخفي محللون مِن مختلف الأطياف السياسية في واشنطن تشكيكهم في استراتيجية إدارة بايدن تجاه «الحوثيين». إذ يستخف صقور اليمين الأميركي بالمقاربة المحدودة للحملة الحالية، والتي وصفها إليوت كوهين من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بعرض «القصف العلاجي» الأسبوع الماضي، والذي قد لا يفعل شيئاً على المدى الطويل لتقليص قدرات الحوثيين أو تفكيكها.

وقال كوهين: «إن استبدال الأشخاص أصعب من استبدال الأشياء، وزرع الخوف أكثر فعّالية من الحلم بالردع»، داعياً إلى شنّ ضربات تقتل مزيداً من الحوثيين، ومن عملاء إيران وحلفائها. وبعد استمرار هجمات الحوثيين على أهداف الملاحة البحرية هذا الأسبوع، تنهّد بإحباط بِين فريدمان، مدير السياسات في «أولويات الدفاع»، وهي مركز بحوث يحثّ على ضبط النفس في السياسة الخارجية الأميركية، وقال: «إن السبيل الوحيد للخروج من هذا هو الدبلوماسية».

*صحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»