أدت الشيخة حسينة اليمين الدستورية لولاية أخرى رئيسة لوزراء بنغلاديش. وهذه هي ولايتها الخامسة في السلطة، ولكنها قد تكون الأصعب والأكثر تحدياً بالنسبة لها بالنظر إلى أنها مطالَبة بحماية المكاسب الاقتصادية التي حققتها بلادها بصعوبة وبإدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة، التي ضغطت من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة. الحزب الحاكم فاز بـ222 مقعداً من أصل 300 مقعد في البرلمان، في حين حصل المرشحون المستقلون على 63 مقعداً فقط في انتخابات قالت مفوضية الانتخابات إن نسبة المشاركة فيها بلغت 40 في المئة. ذلك أن أحزاب المعارضة الرئيسة، مثل «الحزب الوطني»، قاطعت الانتخابات بدعوى أنها «لم تكن حرة ونزيهة»، وذلك بعد أن رفض الحزب الحاكم دعوتها إلى تشكيل حكومة تصريف أعمال محايدة للإشراف على الانتخابات، واصفاً إياها بـ«غير الدستورية». 
وتمثّل بنغلاديش قصة نجاح اقتصادي في جنوب آسيا، حيث كان أداؤها بخصوص المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية أحسن حتى بالمقارنة مع الهند. فخلال السنوات القليلة الماضية، سجلت نسبة نمو بلغت 7 في المئة في المتوسط، ما ساهم في انتشال العشرات من مواطنيها من خط الفقر.
وفي انتخابات اشتكى فيها الناخبون من عدم وجود أي بدائل سياسية، سلّطت الشيخة حسينة الضوء في حملتها الانتخابية على القفزات الاقتصادية الهائلة التي حققتها بلادها تحت قيادتها، إذ انتقلت من وضع دولة أقل نموا إلى وضع الدولة النامية بفضل النمو السريع الذي حققته خلال السنوات الأخيرة. غير أن الاقتصاد يعاني من مشاكل بسبب الأحداث العالمية، إذ يُنظر إلى الحرب في أوكرانيا والأزمة الإسرائيلية- الفلسطينية إلى جانب جائحة كوفيد 19 باعتبارها تتسبب في اضطرابات للاقتصاد العالمي، ما يؤثر في البلدان حول العالم بما في ذلك بنغلاديش، حيث بلغ التضخم نحو 9.5 في المئة في نوفمبر الماضي، وانخفضت تحويلات النقد الأجنبي من مستوى قياسي بلغ 48 مليار دولار في أغسطس 2021 إلى حوالي 20 مليار دولار.
ووفقاً لأرقام الحكومة البنغلاديشية، فإن حوالي 14.9 مليون عامل بنغلاديشي يعملون في 176 دولة. وتُعد صناعة الملابس الجاهزة من أهم مصادر النقد الأجنبي بالنسبة للبلاد، حيث أضحت بنغلاديش ثاني أكبر مصدّر للملابس في العالم بعد الصين، وتقوم علامات تجارية كبرى مثل «إتش آند إم»، وغيرها بصناعة منتجاتها في بنغلاديش. غير أن القطاع يعاني تحديات، في ظل قوة عمل بالقطاع تبلغ 4.4 مليون نسمة، والذين يطالبون بأجور أفضل، إذ يرغبون في زيادة في الحد الأدنى للأجور بثلاثة أضعاف من 8 آلاف تاكا إلى 23 ألف تاكا، ويعتبرون وعد الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور بأكثر من 56 في المئة إلى 12 ألفاً و500 تاكا غير كافٍ.
الشيخة حسينة بَنت مسيرتها السياسية على خلفية قصة شخصية مؤثرة لا تخلو من مآسٍ، فقد اغتيل والدها الشيخ مجيب الرحمن، المعروف بـ «أبو الأمة البنغلاديشية»، إلى جانب عدد من أفراد عائلتها الآخرين في 1975 على يد ضباط كبار في الجيش البنغلاديشي. وقد نجت الشيخة حسينة وشقيقتها وعاشتا في المنفى. وقضت الجزء الأكبر من أيام منفاها في الهند، حيث عاشت باسم آخر، وتحت حماية الحكومة الهندية.
وفي 1981 عادت إلى بنغلاديش، حيث تناوبت على السلطة مع زعيمة الحزب الوطني خالدة ضياء. وبعد وصولها إلى السلطة لأول مرة، خلال الفترة من 1996 إلى 2001، فازت على خالدة ضياء، التي تعيش رهن الإقامة الجبرية بتهمة الفساد، ويعيش ابنها في المنفى بالمملكة المتحدة.
غير أن الشيخة حسينة واجهت انتقادات بأن انتخابات 2014 و2019 كانت منحازة، حيث فاز حزب «رابطة عوامي» بـ234 مقعد و257 مقعد اًعلى التوالي من أصل 300 مقعد في هذين الاستحقاقين الانتخابيين. وفي الفترات الثلاث الأخيرة لها في السلطة، نجحت في محاربة الأصولية الدينية والمتمردين الذين كانوا ينفذون هجمات في الهند المجاورة. ونالت إشادة دولية، نظراً لاستقبالها نحو مليون لاجئ من الروهينجا من ميانمار المجاورة في بنغلاديش. وفي برنامجها الانتخابي، وعدت الشيخة حسينة بتوفير المساعدة القانونية للعاملين في الخارج، وخفض نسبة الفقر في البلاد إلى 11 في المئة، والقضاء على الفساد والرشوة على مختلف المستويات الحكومية.
غير أنه مع دخولها ولايتها الرابعة على التوالي، تواجه الشيخة حسينة ضغوطاً من الغرب بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. وقد عرفت العلاقات مع الولايات المتحدة توتراً بسبب فرض واشنطن عقوبات على بنغلاديشيين تعتبرهم مسؤولين عن إضعاف الانتخابات، وذلك بهدف الضغط على الشيخة حسينة من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما تحاشت الولايات المتحدة دعوتها إلى النسختين الأخيرتين من «قمة الديمقراطية» اللتين استضافتهما الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تتابع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى الدعوى القضائية المرفوعة ضد محمد يونس، الحائز جائزة نوبل للسلام 2006، وهو الرجل المسؤول عن تقديم التمويلات الصغيرة التي غيّرت حيوات مئات الآلاف من الرجال والنساء الفقراء في المناطق الريفية النائية في بنغلاديش. 
وبالمقابل، تتمتع الشيخة حسينة بدعم قوي في الهند وفي الصين، غير أنه من غير الواضح حتى الآن كيف ستتعامل مع التحديات الداخلية التي تواجهها، والتحديات الخارجية من الولايات المتحدة والغرب في فترة ولايتها الرابعة على التوالي، وعلى مدى الخمس سنوات المقبلة كرئيسة وزراء البلاد.
* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي