بعد أن انفض عقد المؤتمرين الذين تجمعوا في دولة الإمارات العربية المتحدة لحضور فعاليات مؤتمر الأطراف - كوب 28 - ومضى كل إلى حال سبيله، تبقى دولة الإمارات ماضية في مسيرتها الحافلة بالعديد من الإنجازات على صعيد المحافظة على البيئة، وهذه المسيرة تتنامى مع سير الأيام. والفترة الحالية تشهد مزيداً من الاهتمام والإنجازات البيئية التي لها أثر كبير في تطوير العمل البيئي البناء في البلاد، خاصة في دولة كالإمارات ذات الاقتصاد النامي السائر نحو التطور السريع، والأمر نفسه في عالم لا يمكن فيه لجهود المحافظة على البيئة ولأي معدل نمو اقتصادي إيجابي أن تبقى سائرة إلى الأمام دون أن تتصادم.

وما نود طرحه أن الخواتم التي ستتوصل إليها دولة الإمارات في ما يتعلق بالنمو الاقتصادي هي حتمية النجاح، وبأن أوضاعاً بيئية جار العمل على تحقيقها بجدية كافية لكي تضمن اهتماماً لإيجاد طرق لتجاوز عملية التصادم ين جهود التنمية الاقتصادية وجهود حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها. هذا التصادم بين النمو الاقتصادي وجودة البيئة ليس بالأمر المستجد أو يمكن حدوثه في دولة الإمارات وحدها، بل مسألة عالمية قديمة، لكنه في السنوات الأخيرة بدأت تظهر كتابات وتحليلات تحاول الإسهام في تفسيرها، خاصة من زاوية إعادة النظر في المتطلبات الاقتصادية للمجتمع مع المحافظة على جودة البيئة.

وهذا الأمر من المفترض أن يحظى باهتمام الدولة أولاً، ثم بعد ذلك أولئك الذين يسعون إلى إيجاد مناظير عملية متداخلة تحقق النجاح الأقصى على الصعيدين. وبالتأكيد أنه بالنسبة للفئة الثانية الأمر يتطلب إعادة النظر في الاستعانة بذوي الاختصاص من المهتمين بالمستلزمات الخاصة بتحقيق النمو الاقتصادي، وأولئك الساعين إلى حماية البيئة والمنتمين إلى حقول المعرفة ذات العلاقة.

ما نحاول القيام به في سلسلة هذه المقالات حول العلاقة بين الاقتصاد والبيئة هو الممازجة بين التفكير الخاص بالتنمية الاقتصادية، والتفكير الخاص بحماية البيئة رغم صعوبة ذلك. في عالم اليوم الاقتصادات والبيئة النظيفة نادراً ما يتداخلان، فالاقتصاد هو محل اهتمام رئيس، في حين أن البيئة وحمايتها تحظى باهتمام ثانوي.

إن عوامل اقتصادية من قبيل البطالة والتضخم، وزيادة دخل الدولة والفرد وتحقيق الفرص الاقتصادية للأفراد هي أمور أساسية لتنظيم المجتمع وسلامته وحيويته. وهذه العوامل الاقتصادية لها دلالات سياسية هائلة، ومقاييس ربما تتسبب في البطالة، أو تضع كوابح شديدة الوطأة على مشاريع هامة ربما لا تحظى بالموافقة عليها.

إن عدداً قليلاً من البشر يمكن لهم القبول بأولوية العامل البيئي على العامل الاقتصادي. إن مجتمعنا متعود على النظر إلى المنادين بأولوية العامل البيئي مقارنة بالعامل الاقتصادي على أنهم يبالغون في نظرتهم هذه.

عادة ما يتم افتراض أن متطلبات بيئية يمكن تحقيقها دون تدخل من قبل مؤسسات سياسية واقتصادية أساسية؛ والعديد من المنادين بالمحافظة على البيئة يعتقدون بأنه عن طريق التخطيط المناسب يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية، والحصول على بيئة عالية الجودة. ورغم أن وجهة نظر المنادين بحماية البيئة تكتسب قدراً جيداً من التعاطف على المستوى العام، إلا أن النتائج المتحققة لا تزال عادية، وربما أن السبب في ذلك يعود إلى عدم القدرة على إيصال فهم كامل لدلالات الفكرة إلى المجتمع الاقتصادي.

لكن هذه التناقضات في النظرة تجاه الاقتصاد والبيئة ليست بالأمر المستجد، بل هي جزء من جدلية علاقة الإنسان بالطبيعة، بمعنى أنها جزء من الثقافة البشرية. هذه الجدلية تطال تعاطف البشر مع طروحات مفكرين ينادون بزيادة الرقعة الزراعية على حساب نمو المدن الحضري والصناعي، وهذا يعود إلى أن الإنسان في مناطقنا ليس لديه شغف بالمدن الكبرى ومناشطها الخانقة للبيئة والطبيعة.

لكن الفكرة الزراعية المثالية هي مجرد حلم أو أسطورة لا قوة فيها لمقاومة أنماط التطور والتقدم الاقتصادي السريع والتنمية الشاملة. إن الغلبة في هذا الصراع هي لخيار التنمية الاقتصادية السريعة ولحتمية التمدن الحضري. الثقافة الاجتماعية في دولة الإمارات تقدر وتكرم المفكرين الذين ينادون بالرقعة الخضراء في الوقت نفسه الذي تدعم وتشجع التنمية الاقتصادية والنمو الحضري.

*كاتب إماراتي