في سياق حوار العرب مع الأوروبيين حول تواجد «الإخوان» في عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي لا بد من توضيح عدد من الأمور التي تقع في صلب فكر الجماعة، وكيفية إدارتها لشؤونها الداخلية وشؤون علاقات أفرادها ببعضهم البعض، خاصة فيما يتعلق بعلاقة ذلك بالعنف والإرهاب والعمل السري، فلا بد مثلاً من شرح أن «الإخوان» يعتمدون على علاقات القرابة والصداقة والعبادة كمداخل لتجنيد الأعضاء سياسياً.

أما بالنسبة للتنظيم الخاص أو السري، فإن المدخل هو علاقة الصداقة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجماعة تهتم بالبعد المكاني وخصائصه في عمليات التجنيد السياسي للأعضاء، لذلك فإن الأوروبيين لا بد لهم من الانتباه لتواجد «الإخوان» بكثافة في المدن الصناعية التي تتواجد فيها كثافات سكانية مسلمة أوضاعها وأحوالها المعيشية والاقتصادية والمالية متدنية مقارنة ببقية أنحاء وأفراد المجتمعات الأوروبية الأخرى.

وعن طريق التركيز على الجوانب السلبية من فكر الجماعة وممارساتها، فلربما يكون بالإمكان إقناع الجانب الأوروبي بوجود مخاطر على مصالح المجتمع والدولة وسلامة كليهما من خطر تواجد الجماعة على الأراضي الأوروبية، وبأن الخطورة تأتي من عدة جوانب هي: أولاً: أن «الإخوان» يعملون بسرية تامة على الصعيد السياسي ولا يفصحون عن أهدافهم ونواياهم السياسية مطلقاً. ويتضح ذلك من أساليب الجماعة في تجنيد الأعضاء في التنظيم الخاص الذي يتميز بالتعقيد الشديد والدقة المتناهية؛ ومن كون أن الأعضاء لا يكتسبون العضوية الكاملة إلا بعد فترة طويلة نسبياً، ومن التكوين الذي يشتمل على العديد من الاختبارات والتجارب الدقيقة.

ثانياً: أن عملية تأهيل الأعضاء شاملة تتضمن الجوانب الاجتماعية والنفسية بحيث يتم دمج العضو بالكامل وإكسابه مهارات مدنية وعسكرية واستخباراتية تتعلق بجميع المعلومات والأخبار وإعداد وكتابة التقارير، وتتسم بطول فترة الإعداد والتكوين التي تمتد إلى 68 أسبوعاً (سنة نصف السنة) على الأقل يخضع خلالها العضو المرشح للمراقبة والاختبارات النظرية والعملية الدقيقة. ثالثاً: إلزام العضو بالسرية وعدم إنشاء الأسرار، ومخالفة ذلك جزاؤه القتل.

«الإخوان» بتواجدهم في أوروبا كلاجئين أو كساعين إلى كسب الجنسية وكسب العيش في الدول التي يتواجدون فيها هم في تناقض مع أنفسهم ومع الإرث الثقافي الذي يحملونه، وفوق هذا وذاك مع الفكر الذي يتنبونه تجاه الحضارة والقيم الأوروبية. هم يقفون من الغرب موقفاً عدائياً - دفاعياً على صعد الثقافة والفكر والأخلاق والقيم. ورغم أن فكرة الحوار مع الأوروبيين التي أطرحها ذات طابع سياسي إلا أن تقبل الأوروبيين لـ«الإخوان» يفحص عن قدر كبير من جهلهم بحقيقة وماهية المواقف «الإخوانية» من ثقافتهم وحضارتهم وقيمهم ما يتطلب من العرب توضيحَ هذه الحقيقة.

إن المسحة الأساسية في فكر«الإخوان» تجاه الأوروبيين «عدائية - دفاعية»، أي كما يقولون الدفاع عن الإسلام ضد كل ما ينسبه الغربيون إليه، فهذا هو الطابع السائد في جوهر الفكر «الإخواني». لقد تطور هذا الطابع بالتدريج إلى أدب مقارن يقوم بالمقارنة بين الفكر الغربي وما يحمله «الإخوان» من فكر، وذلك من منطلقات حضارية - ثقافية تخص الحضارة الإسلامية والحضارة الأوروبية.

ما يلفت النظر في هذه المسحة العدائية - الدفاعية هو أن الجو النفسي الانفعالي هو الذي يسود بالرغم من اقتناعنا بالفائدة التي يمكن أن تعود على كافة الأطراف من وجود سجالات مقارنة بين حضارتين كبيرتين كاللتين نحن بصددهما. وبيت القصيد هو القول بأن هذه المسحة الانفعالية التي هي شديدة في العديد من جوانبها جعلت درجة الموضوعية في الطرح تتضاءل إن لم تختف تماماً.

والواقع أن الطرح المقارن يتطور في أوروبا في السنوات الأخيرة بحيث أن «الإخوان» حولوه إلى طرح هجومي يركز على مساوئ الحضارة الأوروبية ويظهرها بأنها مادية صرفة بلا فضيلة أو أخلاق أو قيم. فكر «الإخوان» المطروح في أوروبا حالياً يحدد رؤية «الإخوان» للعالم الذي يصفونه بأنه عالم تتجسد فيه مظاهر الانحطاط، ووصل فيه فساد العقيدة والابتعاد عن الدين إلى مراحل خطيرة. وللحديث بقية.

*كاتب إماراتي