احتفلت المملكة العربية السعودية منذ أيام بيوها الوطني الثامن والثمانين، وإذا كان من حق المملكة أن تحتفل بهذا اليوم التاريخي كونه كان بداية لنشأة كيان عربي قوي جمع بين الرؤية السياسية الثاقبة، وعناصر القوة المادية والنهضة الحديثة، ناهيك بالمكانة الروحية المستمدة من احتضان المملكة المقدسات الإسلامية، ودورها في خدمة الدين الحنيف، فمن واجب العرب أن يحتفوا بهذا اليوم نموذجاً لعملية وحدوية ناجحة كانت بداية لنشأة ركن قوي من أركان النظام العربي يضطلع بمسؤوليات جسيمة في كل ما يخص العرب.
ولنا أن نتصور حال الجزيرة العربية لو لم تنشأ المملكة وتتأسس في قلبها.
ومن الأهمية بمكان أن هذه العملية التوحيدية التي انطوى عليها تأسيس المملكة العربية السعودية قد تكررت بعد ذلك في الجزيرة العربية وإن بوسائل مختلفة، ففي 1967 ومع بلوغ حركة التحرر الوطني في جنوب اليمن ذروتها، نشأت دولة مستقلة في جنوب اليمن في غمار العملية التحررية التي استطاعت الخلاص من الاحتلال البريطاني، وتوحيد السلطنات والمشيخات القائمة آنذاك في دولة مركزية واحدة.
وإذا كان النظام الماركسي الذي حكم تلك الدولة منذ استقلالها وحتى توحدها مع شمال اليمن في 1990، قد عوّق إمكانات تطورها، فإن هذا لا يقلل من القيمة التاريخية للعملية التوحيدية التي تمت.
وبعد سنوات قليلة ومع مطلع سبعينيات القرن الماضي قام الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بدوره التاريخي في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، مدشناً بذلك تجربة تاريخية غير مسبوقة في الوحدة العربية.
فالتجربة العربية الوحدوية الأولى عقب الحرب العالمية الثانية بين مصر وسوريا تبنت النموذج الاندماجي الذي ثبت عدم ملاءمته لحقيقة التنوع بين الأقطار العربية، بما يعطى الجدارة للنموذج الاتحادي (الفيدرالي) كصيغة آمنة للعمل الوحدوي العربي، وهي الصيغة التي اعتمدتها التجربة الإماراتية بنجاح لافت جعلها نموذجاً يُحتذى في العمل الوحدوي العربي.
وإذا كانت التجربة الوحدوية اليمنية قد تعثرت، سواءً بسبب الممارسات الداخلية الخاطئة، أو التدخلات الخارجية المغرضة، والتي بلغت ذروتها بالانقلاب الحوثي وتداعياته، فإن التجربتين الوحدويتين، السعودية والإماراتية، تواصلان باقتدار إنجازاتهما الداخلية والخارجية.
ومن حسن الحظ أن العلاقات الإماراتية السعودية ترسخت وواصلت ترسخها على جميع الصعد، وهو مقوم بالغ الأهمية من مقومات الاستقرار والأمن في المنطقة، خاصة في هذه المرحلة التي تتميز بجسامة التحديات العربية والإقليمية والعالمية.
وإذا اكتفينا بالسياق الخليجي، تبدو هذه العلاقات شديدة الحيوية، بل لا غنى عنها إذا أُريد لمنطقة الخليج أن تستقر وتواصل معركتها الناجحة من أجل تأمين مستقبل مزدهر وسط التحديات الجسيمة الراهنة.
ومن المعروف أن سلوك النظام الحاكم في قطر قد أدى إلى الأزمة التي تفجرت العام الماضي بين هذا النظام ودول الرباعي العربي التي قاطعت «نظام الحمدين» حتى يثوب إلى رشده، بعد أن وصل به الأمر إلى التآمر على دول شقيقة.
وقد كان لهذه التطورات دون شك انعكاساتها السلبية الخطيرة على مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما تبدى في القمة الخليجية الأخيرة بالكويت.
وكان مجلس التعاون هو التجربة الوحيدة الباقية الناجحة للتجمعات الفرعية العربية، إذ تفكك «مجلس التعاون العربي» مع الغزو العراقي للكويت، وتجمد اتحاد المغرب العربي في منتصف تسعينيات القرن الماضي بسبب الخلاف الجزائري المغربي، ولم يبق في الساحة سوى مجلس التعاون الخليجي إلى أن أصابته التداعيات السلبية لسياسات النظام القطري.
ومن هنا تنبع أهمية العلاقات السعودية الإماراتية التي خطت خطوة جديدة إلى الأمام عقب تكوين لجنة التنسيق بين البلدين، والتي من شأنها أن تضمن تعزيز العلاقات، بما يعوض تراجع فعالية مجلس التعاون إلى حين بفعل الأزمة القطرية.
وإن الثقة في استمرار التناغم بين قيادتي البلدين هو خير ضمان لمستقبل الاستقرار والأمن والتنمية في منطقة الخليج العربي والمواجهة الناجحة للتحديات الراهنة.