بعد مرور عامين ونصف من تصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، نجد أن «بريكست» هو حالة من الفوضى. ولا تستطيع رئيسة الوزراء «تيريزا ماي»، التي عارضت يوماً ما هذه السياسة، أن تقنع البلاد باتفاقية المغادرة التي تفاوضت بشأنها مع الاتحاد الأوروبي، وبالكاد نجت من التصويت بحجب الثقة في حزبها هذا الشهر. والقليلون في بريطانيا يعتقدون أن بإمكانها إنجاح بريكست –أو حتى يعرفون كيف سيكون بريكست ناجحاً. وفي الواقع، بعد عامين من النقاش، لدينا بعض الأساطير.
- الأسطورة الأولى: كان التصويت على بريكست لا مفر منه.
لقد برر رئيس الوزراء السابق «ديفيد كاميرون» وعده الذي قطعه عام 2013 بإجراء استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بقول إن الوضع «غير قابل للاستمرار» – بمعنى أنه «بحاجة إلى معالجة». وبعد فترة وجيزة من التصويت، قال «بوريس جونسون»، المحافظ المؤيد لـ«بريكست»، إن التصويت كان «حتمياً»، لأنه «لم تكن هناك وسيلة للتعامل مع قرار بهذا الحجم إلا من خلال طرحه للتصويت من قبل الشعب».
لكن استطلاعات الرأي التي أجريت منذ ذلك الحين تروي قصة مختلفة. ففي الشهور التي سبقت وعد كاميرون، سأل مركز «ابسوس موريس» البريطانيين عن القضايا الكبيرة التي تواجه البلاد. فقال 61% إنه الاقتصاد، بينما قال 35% إن أكبر مشكلة تواجه البلاد هي البطالة. وأشار واحد فقط من بين 20 إلى أوروبا. ووفقاً لإحصاء شبكة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كان 138 عضواً محافظاً من أعضاء البرلمان يؤيدون بريكست، مقابل 185 عضواً أرادوا البقاء في الاتحاد الأوروبي. وقالت الغالبية العظمى من الأحزاب الأخرى إنها تؤيد البقاء في الكتلة الأوروبية.
لم يكن استفتاء كاميرون ملبياً لأي مطالب للجمهور البريطاني. وكان رئيس الوزراء يشعر بالقلق من الضغوط التي يمارسها بعض المشرعين المحافظين المتشككين في الاتحاد الأوروبي من حزب استقلال المملكة المتحدة الهامشي ستكلفه الأغلبية البرلمانية في الانتخابات القادمة. (وظن أن التصويت سيحيد هؤلاء المنتقدين، ولم يتوقع مروره)، بيد أن بريكست كان سياسة ذاتية التحقيق: فقد أظهرت استطلاعات الرأي أنه منذ إجراء الاستفتاء العام، تعتبر أوروبا هي أكبر مشكلة تواجه البلاد.
- الأسطورة الثانية: سيؤدي الاستفتاء إلى نهاية الاتحاد الأوروبي. مباشرة بعد تصويت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي، تنبأ البعض بأنها بشرت ببداية النهاية للكتلة. وقال «بيتر لوندجرين»، عضو البرلمان الأوروبي من حزب «ديمقراطيو السويد» اليميني المتطرف، «إن أوروبا ستسقط». ووجد استطلاع للرأي أجراه مركز «يوجوف» في يوليو 2016 أن الكثيرين من جميع أنحاء أوروبا اعتقدوا أن المزيد من البلدان ستترك الاتحاد الأوروبي نتيجة لبريكست.
فكيف توفّق هذا بعد عامين ونصف؟ حتى عندما تولى الشعبويون السلطة في دول أخرى، لم يدفعوا من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال نائب رئيس الوزراء الإيطالي «ماتيو سالفيني» هذا الشهر إنه لا يسعى إلى القيام بـ «بريكست إيطالي»، بينما نأى حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا بنفسه عن مغادرة بولندية للاتحاد. وفي فرنسا، قالت «مارين لوبان»، وهي قوة قائدة في الشعبوية الأوروبية، إنها لم تعد تؤيد «فريكست» (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي) –لأنها لا تعتقد أن الناخبين الفرنسيين يريدون ذلك. هذا لا يعني أن بريكست مفيد لأوروبا، والرحيل من دون اتفاق، على وجه الخصوص، من شأنه أن يضر أعضاء الاتحاد الأوروبي. لكن بروكسل اكتسبت حجة كبيرة ضد الدول التي تسعى إلى توديعها: انظروا إلى ما يحدث في بريطانيا!
- الأسطورة الثالثة: اتفاق «ماي» الأخير هو خيانة لـ«بريكست»، يقول مؤيدو بريكست من المنتقدين لـ «ماي» إن اتفاق الانسحاب الذي صاغته مع قادة الاتحاد الأوروبي، وأعلنته هذا الشهر، هو خيانة لاستفتاء 2016. ويشير «جاكوب ريس-موج»، أحد أبرز المحافظين المتشككين في الاتحاد الأوروبي، إن البقاء في الاتحاد الجمركي الخاص بالاتحاد الأوروبي، كما تقترح ماي «لن يحقق نتيجة الاستفتاء». وكتب «جونسون» إن البريطانيين «يريدون من هذه الحكومة أن تلبي تفويض الشعب وأن تقدم بريكست بريطانياً كاملاً».
بيد أن فكرة «خيانة بريكست»، كما يقول المحتجون اليمينيون المتشددون، لا معنى لها. فقد طرح استفتاء 2016 سؤالاً بسيطاً: «هل يجب أن تظل المملكة المتحدة عضواً في الاتحاد الأوروبي أو أن تغادره؟» لقد سُئِلَ الناخبون عن البقاء أو المغادرة – وليس عن طريقة القيام بذلك. وفي بيان خاص بانتخابات 2017، تعهدت «ماي» بمغادرة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي. غير أن المحافظين فقدوا أغلبيتهم في هذه الانتخابات. إلى جانب ذلك، تستند صفقة «ماي» إلى فرضية أن البقاء في الاتحاد الجمركي سيكون مؤقتاً. ولا يثق المؤيدون لبريكست في هذا التأكيد، لكنهم حتى الآن لم يقدموا اتفاقية بديلة واقعية.
- الأسطورة الرابعة: خيار «البقاء» سيفوز بسهولة في الاستفتاء الثاني: تحظى فكرة إعادة الاستفتاء بالعديد من المعجبين. ومن السهل معرفة السبب. فمن الممكن أن توضح مساراً ديمقراطياً للخروج من المأزق. وقد ذكرت مجلة «نيو ستيتسمان» البريطانية أن استفتاءً آخر من شأنه إلغاء أزمة بريكست برمتها، ووجد استطلاع للرأي أجراه مؤخراً مركز «يوجوف» أن 72% من مؤيدي البقاء سيفوزون في الاستفتاء الثاني.
- الأسطورة الخامسة: لقد كان «بريكست» بمثابة انتفاضة ضد المؤسسة. لقد ترك تصويت بريطانيا الذي أجري في يونيو 2016 المحللين حول العالم في حيرة لوصفه. ووصفه «أوين جونز» من صحيفة الجارديان بأنه «ثورة الطبقة العاملة»، بينما وصفه «نايجل فاراج» الزعيم السابق لحزب «استقلال المملكة المتحدة» بأنه تحرك «ضد المؤسسة». صحيح أن البريطانيين من الحاصلين على شهادات جامعية كانوا أكثر ميلاً للبقاء. لكن هذه المسابقة الطبقية كانت بالكاد إجماعية. فقد أظهرت بيانات استطلاعات الرأي أن الموظفين في الإدارة، أو هؤلاء الذين يقومون بأدوار مهنية أكثر ميلاً للتصويت لصالح «بريكست» من العمال اليدويين.
*كاتب بريطاني متخصص في الشؤون الخارجية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»