الشهر المقبل ستحيي إيران الذكرى الأربعين لتأسيس الجمهورية الإسلامية. ولكن مع بلوغه متوسط العمر، يواصل النظامُ الانخراط في الكثير من الأعمال الإجرامية التي وضعته على الخريطة الدولية للمرة الأولى. وعشية ذكرى ثورته تأتي أخبار تفيد باختفاء أميركي آخر في إيران. هذا الأخير لم يكن مواطناً مزدوج الجنسية، على غرار العديد من الأميركيين الذين اعتُقلوا من قبل النظام مؤخراً، وإنما جندي سابق في البحرية الأميركية كان في إيران من أجل زيارة صديقته.
مايكل وايت، البالغ 46 عاماً، ذهب إلى إيران بجواز سفر أميركي يحمل تأشيرة سياحية إيرانية صالحة. وقد سبق له أن زار البلاد وغادرها عدة مرات في الأشهر الأخيرة. وباعتباري مقيماً سابقاً في إيران لمدة طويلة استضفتُ خلالها عدداً من الضيوف الأميركيين على مدى سنوات، أستطيعُ القول بثقة كبيرة إن الحكومة الإيرانية تجري عمليات تحقق معقدة في خلفية كل طالبي التأشيرة القادمين من الولايات المتحدة. وكل من يُمنح تأشيرة دخول سيجد أن زيارته خضعت لفحص وتدقيق كبيرين، مما يجعل من الصعب للغاية إمكانية حدوث أي خرق للقانون.
ولكن «وايت» اختفى في يوليو الماضي. وقد رفعت والدته في جنوب كاليفورنيا تقرير اختفاء بعد أن انقطعت أخباره. ووزارة الخارجية الأميركية تعلم أنه في السجن وتقول إنها بدأت الاشتغال على القنوات المعتادة من أجل الإفراج عنه. غير أنه للأسف منذ انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران في مايو الماضي – بينما ما زال ستة أشخاص أميركيين آخرين على الأقل في السجن هناك أو في عداد المفقودين – قُطعت كل الاتصالات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران.
والواقع أن لدى طهران سجلاً طويلاً في اعتقال المواطنين الأجانب. وفي معظم الأحيان، يتضح أن الذنب الوحيد الذي اقترفه المعتقَلون هو حيازتهم لجواز سفر غير إيراني – ما يعني أن بلدهم يمكن أن يقدّم تنازلات من أجل تأمين إطلاق سراحهم. هذا ما يفعله القراصنة والتنظيمات الإرهابية – وإيران منذ تأسيسها. فقد أصبح احتجاز الأسرى طريقةً إيرانية مفضلة لممارسة الضغط في السياسة الخارجية على البلدان التي تُظهر التزاماً بسلامة مواطنيها – مثل الولايات المتحدة.
وقد اعترفت إيران باحتجازها لوايت بالفعل. فالأسبوع الماضي، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي اعتقال وايت. ولكنه لم يأت على ذكر أي تهم أو لماذا لم يُسمح لوايت بالاتصال بعائلته منذ ستة أشهر. مثل هذه الأمور باتت معتادة الآن في إيران. وكذلك جهود البروباجندا التي كثيراً ما تلجأ إليها طهران في هذه القضايا، وهذا هو الجانب الذي من الصعب جداً تقبله من عملية احتجاز الأسرى. الأمر لا يقتصر على تمزيق العائلات فحسب - لسنوات طويلة في الغالب - ولكن أحباءها المسجونين ظلماً يصبحون أيضاً أهدافاً لوسائل الإعلام التابعة للدولة. فالأسبوع الماضي، مثلاً، أذاعت هذه الأخيرة الشيء الأكثر إثارة للغضب والاشمئزاز: فيلماً عن «نازانين زاغاري راتكليف» تضمّن صور إيقافها، وهي مواطنة مزدوجة الجنسية (بريطانية- إيرانية) فُصلت عن طفلتها بمطار طهران في أبريل 2016 بينما كانت تتأهب للعودة إلى لندن من عطلة لزيارة والدي زاغاري راتكليف في طهران. إنها في السجن منذ أكثر من ألف يوم. ولم ترَ زوجها ريتشارد طيلة هذه الفترة. أما ابنتهما جابرييلا، فإنها اليوم في الرابعة من عمرها ولا تملك أي ذكرى للعيش مع أي منهما. وإلى أن ينهي النظام الإيراني هذه الممارسة بشكل نهائي، علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتسليط الضوء على المسجونين ظلماً هناك، لأنه من دون ذلك، لا يوجد أمل في عودتهم سالمين.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»