حتى الآن، تمثل رئاسة ترامب عهد خير إلى حدٍّ كبير لإليزابيث تشيني أكبر أبناء نائب الرئيس السابق ديك تشيني. ففي عام 2016، فازت تشيني بأول فترة ولاية لها بالمقعد الوحيد لولاية وايمينج في مجلس النواب. وبعد عامين انتخبها زملاؤها لتترأس «المؤتمر الجمهوري»، وهو المنصب الثالث في ترتيب قيادة الحزب. وتقف تشيني حالياً في مفترق طرق. ففي مايو الماضي، أعلن «مايك اينزي» السيناتور «الجمهوري» عن ولاية وايمينج أنه سيتقاعد عام 2020. وأمام تشيني 11 شهراً لتقرر إذا ما كانت ستترشح لتحل محله. وكانت تشيني قد تحدت «اينزي» عام 2014 على مقعده، لكنها انسحبت قبل سبعة أشهر من الانتخابات التمهيدية متعللة بمشاغل أسرية. والعام المقبل يمثل فرصة لاستئناف ما بدأته من قبل.
لكن «إليزابيث تشيني» نفسها لم تحسم أمرها. فقد صرحت الشهر الماضي في برنامج «فايرينج لاين» في تلفزيون «بي. بي. إس» أن مجلس النواب يمثل القاعدة الأساسية لكثير من القضايا التي تهمها، خاصة قضايا الأمن القومي. ولديها بعض الحق هنا. فأمامها فرصة حقيقية في أن تصبح رئيساً لمجلس النواب إذا استعاد حزبها الأغلبية فيه مرة أخرى. لكنّ هناك عدداً من الأسباب الوجيهة التي يجب على تشيني من أجلها أن تستغل الفرصة لتفوز بمقعد في مجلس الشيوخ. ففي وقت مبكر من الشهر الماضي، دعمت مجموعة من النشطاء والمانحين «الجمهوريين» إجراء استطلاع رأي عن الناخبين «الجمهوريين» المحتملين في وايمينج. وكانت نتيجة الاستطلاع أن من المؤكد أن تكسب تشيني السباق. فهي تتمتع بتأييد لعملها يبلغ 69% وسط الناخبين «الجمهوريين» المحتملين وتأييد بنسبة 84% وسط الناخبين المؤيدين لترامب.
ويجب عدم الاستهانة بهذا. وبالنسبة لحركة «درافت تشيني» الناشئة، تمثل «اليزابيث» عودة إلى السياسة الخارجية الأميركية «الجمهورية» التقليدية التي تتبنى التدخل في شؤون العالم في الوقت الذي ينادي فيه أكثر أنصار الرئيس ترامب حماساً بالتخلي عن القيادة الأميركية للعالم. لكن من النادر أن يتمتع دعاة التدخل في شؤون العالم من «الجمهوريين» بمصداقية لدى المؤيدين دوماً لترامب ممن سيؤثرون على الحزب حتى بعد ترك ترامب للمنصب. ولذا لا غرابة أن استهدفها في الآونة الأخيرة الجناح المناهض للتدخل في سياسة العالم من الحزب. وعلى سبيل المثال، خصها توكر كارلسون من شبكة «فوكس نيوز» بهجوم انتقادي شديد محذراً من مؤامرة «المحافظين الجدد» لشن حرب على إيران.
وتشيني خصم قوي، فهي تحشد الدعم في تكتلها ضد مشروع قرار برعاية مات جيتز النائب عن ولاية فلوريد والمؤيد بشدة لترامب يطالب بحظر معظم الأعمال العسكرية ضد إيران دون إعلان صريح بالحرب. وفي وقت مبكر من العام الجاري، ساعدت تشيني في إقناع البيت الأبيض أن يتخلى عن خطة ترامب المبدئية بشأن انسحاب كل القوات الأميركية من سوريا. وكانت تشيني مدافعاً قوياً عن المحافظة عن ترسانة أميركا النووية.
ومن الممكن الدفاع عن مثل هذه القضايا في مجلس النواب. لكن ما يطلق عليه غرفة الشعب كانت دوماً الأقل شأناً حين يتعلق الأمر بالشؤون الخارجية. وإذا انتقلت تشيني إلى مجلس الشيوخ، سيكون لها تأثير في إدارة ترامب أو أي إدارة ديمقراطية فيما يتعلق بالأفراد بدءاً من الجنرالات والسفراء إلى وزراء الحكومة. ويرى «براين بيكر» مستشار أسرة ريكيتس التي من بينها بعض من أكبر مانحي الحزب أن تشيني «لديها صوت فريد في السياسة الخارجية ينتمي إلى مجلس الشيوخ، حيث يمكنها من خلاله أن يكون لها أكبر تأثير».
وصحيح أن إليزابيث تستطيع أيضاً أن يكون لها تأثير كبير في قيادة مجلس النواب. لكن مجلس النواب أكثر تقلباً وهشاشة عما كان عليه حين كان والدها رئيساً لمؤتمر «الحزب الجمهوري» في مجلس النواب في ثمانينيات القرن الماضي. وصحيح أن دعاة عزلة السياسة الأميركية عن العالم من «الجمهوريين» يمكنهم وقف صعودها إلى القيادة لأن هناك ما يكفي منهم لمنع مسعاها كي تصبح رئيسا لمجلس النواب. لكن إليزابيث لن تكون أكثر حرية فحسب في التأثير في السياسة الخارجية من داخل مجلس الشيوخ، بل سيكون بوسعها أيضاً منع دعاة الانعزال عن السياسة الدولية من تقوية قواعدهم في الفرع التنفيذي.
*كاتب أميركي متخصص في تغطية شؤون الأمن القومي والاستخبارات.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»