لو أن هناك شيئاً واحداً تعلمه العالم على مدار العقد الماضي، لكان هو أن السياسة عادة ما تكون رمزية أكثر من كونها براجماتية. فالسياسة الجيدة التي ترتبط برموز خاطئة قد تفشل، بينما الزعماء غير العمليين يمكنهم النجاح عن طريق الترويج للرموز المتمتعة بشعبية. لكن هذا الدرس مازلنا نتعلمه. ولنأخذ مثلاً سياسة البنك المركزي الأوروبي، لتفادي معدلات فائدة أقل من 0.4%. وإذا أردنا التحدث عملياً، فهذا لا يحقق مكاسب كبيرة للاقتصاد الكبير، وقد أثبت -باعتباره سياسة رمزية- أنه كارثي، وخاصة في ألمانيا، مما جعل الناس يعارضون منطقة اليورو.
مازال الألمان يعانون من ذكريات الحرب العالمية الثانية والفاشية والشيوعية والانكماش والتضخم الهائلين. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت المدخرات الشخصية والنظام المالي الألماني ساحة لإمكانية التنبؤ ومحركاً للنمو. وكثير من الألمان يعتزون كثيراً بقدرتهم على الادخار، ربما بشكل مبالغ فيه، وقد أصبح هذا جزءاً مهماً من تصور الألمان للنظام الاقتصادي الذي أقاموه.
لكن البنك المركزي الأوروبي دخل النظام وأصبح يخبر الألمان وآخرين بأن التوفير شيء سيئ ستتم مواجهته بضرائب وجزاءات. ومصطلح «معدل الفائدة السالب» نفسه يصعِّب الترويج لهذا النهج. وقد أشارت إحدى الصحف الألمانية إلى «الاستحواذ النهائي» على المدخر الألماني، مؤكدةً أن قرار البنك المركزي الأوروبي بالانحراف عن هدفه، فيما يخص التضخم، ينطوي على «عواقب وخيمة».
وعموماً، يشعر قطاع كبير من الألمان بالقلق والغضب إزاء هذه السياسة. بل يشيع زعم بأن العائدات من الفائدة السالبة ستستخدم لتمويل دول أوروبية أخرى. ومعظم الاقتصاديين والمصرفيين في البنوك المركزية ينظرون إلى معدل الفائدة السالب باعتباره أداة مقبولة لإدارة الاقتصاد الكبير. وربما يكون الأمر كذلك، لكن في حقبة أصبحت فيها الثقة أقل بكثير مما كان يُعتقد سابقاً.
والسؤال هو: هل من الممكن أن تغلب المنافع العملية لمعدلات الفائدة السالبة على هذه المشكلات الرمزية؟ الفكرة الرئيسية هي أنه إذا كانت البنوك تُفرض عليها ضرائب للاحتفاظ باحتياطي في البنك المركزي الأوروبي، فهذه البنوك ستقدم قروضاً أكثر ومن ثم تحفز الاقتصاد. لكن هناك جانباً سلبياً: فمعدل الفائدة السالب يقلص معدلات الفائدة التي تدفعها البنوك على الودائع، ومن ثم قد تهرب كثير من الودائع من النظام المصرفي كله. وهذا يؤدي إلى اختفاء الوساطة في الاستثمار وتقلص الاقتصاد.
ويرى البنك المركزي الأوروبي حالياً أن التأثيرات التوسعية لمعدلات الفائدة السالب تتفوق على تأثيرات التقلص. لكن هذه سياسة للتحفيز في حالة طوارئ قصيرة الأجل وليس سياسة تستخدم لخمس سنوات. وفرض ضرائب على الوساطة المالية ليس طريقاً يقود إلى درجة أعلى من الابتكار وخلق الوظائف. وحتى لو كان هناك تحفيز مؤقت ناتج عن هذه السياسة، فهذا قد يحجب عن الأنظار مشكلات النمو طويل الأمد التي تواجهها ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
وهناك من يحتج بأن الألمان يدخرون أكثر من اللازم. لكن وفق بعض المعايير، لدى الألمان مستوى من الثروة القومية منخفض نسبياً مقابل متوسط الدخل القومي للفرد، وهذا يرجع في جانب منه إلى قلة احتمالات امتلاك الألمان لمنازلهم. وتشير بيانات لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن جيران ألمانيا الأقربين، مثل السويد والدنمارك وهولندا وسويسرا، يدخرون أكثر من حيث النسبة مما تفعل ألمانيا. وعلى كل حال، إذا كان تقليص معدل الادخار الألماني ملائماً، فأي سياسة تعالج هذه النقطة يجب أن تأتي عبر الحكومة الألمانية، من خلال إنفاق أكبر على البنية التحتية العتيقة في ألمانيا.
وليس من وظيفة البنك المركزي الأوروبي تصحيح المفاهيم الثقافية والاقتصادية المغلوطة لكل دولة أوروبية. ومعظم المواطنين الألمان الذين يشكون من معدلات الفائدة السالبة لا يفهمون فكرة الاقتصاد الكبير، لكن لديهم حدس جيد بأن هناك شيئاً غير صحيح يحدث.

*أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ميسون
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»