هل تصدق نظريات المؤامرة؟ أنا لا أصدقها بشكل عام، وأدرك أن عمليات تستر على مستوى عالٍ قد حدثت، في قطاع الأعمال والحكومة والمؤسسة الدينية. لكن كقاعدة عامة، أجد أن معظم نظريات المؤامرة تنتهك القاعدة البديهية لمستشار الأمن القومي السابق «زبيجنيو بريجنسكي»: «التاريخ هو نتاج للفوضى أكثر مما هو نتاج للتآمر».
لكن، ورغم تشككي، أعتقد أن هناك مؤامرة تتم على قدم وساق حالياً بين الأشخاص الأقوياء في السياسة والإعلام في الولايات المتحدة، لاستغلال بعض الأميركيين الأكثر عرضة للخطر.
ما يسميه العلماء «التفكير التآمري» ليس بالأمر الجديد في الولايات المتحدة، وقد عرَّف المؤرخ ريتشارد هوفستادتر، في عام 1964، «نمط جنون العظمة في السياسة الأميركية»، في مقال تناول نظريات المؤامرة في الأيام الأولى للجمهورية، بشأن الدسائس القوية المفترضة للبابا واليهود والمستنيرين والماسونيين وكثيرين غيرهم. وجادل هوفستادتر بأن نظريات المؤامرة معتَقَد فيها على نطاق واسع، ودعمته بيانات المسح التي أجريت منذ ذلك الحين. فمثلاً وجدت استطلاعات الرأي التي أجريت في السنوات الأخيرة أن 61% من الأميركيين يرفضون الرواية الرسمية للحكومة عن اغتيال الرئيس جون كنيدي عام 1963، كما عبر 20? منهم عن الاعتقاد بأن هجمات 11 سبتمبر 2001 أرادها المسؤولون الأميركيون، لأنهم كانوا يخططون لتدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
لماذا إذن يؤمن الناس بالمؤامرات؟ يختلف الباحثون حول الإجابة، ويقول البعض إن هذه المعتقدات هي خلل في التطور البشري: فنحن متشوقون لأن نكون متآلفين مع مؤامرات يحيكها الأقوياء لاستغلالنا، لكننا في الغالب نحصل على «نتائج إيجابية زائفة» (مؤامرات غير موجودة) في هذه العملية. ويعتقد البعض أن عقولنا مكيفة جسدياً لتفضيل المعتقدات، بما في ذلك المعتقدات الخاطئة التي تجلب إثارة عاطفية عالية. وفي جميع الحالات، يكون التفكير التآمري شكلاً من أشكال التفكير الخاطئ، فمن الذي يجعل هذه الأخطاء متكررة؟
لسنوات، كان هناك شعور واسع النطاق بأن نظريات المؤامرة كانت سائدة بشكل خاص بين المحافظين، لكن هذه الرؤية تم دحضها. وبدلاً من ذلك، وجد الباحثون أن الناس الذين يفتقرون إلى الثقة في غيرهم يعانون من انعدام الأمن بشأن العمل، ولديهم مستويات عالية من «التشاؤم»، أي أن أصحاب نظريات المؤامرة هم غرباء متشائمون بشأن المستقبل، سلبيون تجاه الآخرين، ويشعرون بأنهم ضحية لمن هم في السلطة.
إذن هذا ما تعرفه: الأشخاص الذين يعتقدون أن نظريات المؤامرة عرضة للخطأ الإدراكي هم من أكثر الناس ضعفاً في مجتمعنا. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يقع على عاتق قادة أميركا –في السياسة والإعلام– واجب مساعدتهم وحمايتهم من الاستغلال.
وهؤلاء الذين يروجون لنظريات المؤامرة ليسوا بالضرورة ضحايا تِعسون. فأحياناً، تنتشر أفكار المؤامرة من قبل الأقوياء أنفسهم. تأمل هذا: «يجب أن يكون هذا نتاج مؤامرة عظيمة على نطاق واسع، بحيث تقزّم أي مشروع سابق في تاريخ البشرية. مؤامرة من العمل الشائن، سوداء لدرجة أنها عندما يتم الكشف عنها في النهاية، سيستحق القائمون عليها لعنات جميع الشرفاء». هذه كلمات السيناتور الجمهوري «جوزيف ماكآرثي»، عام 1951، وهو يشجب التسلل المفترض من قبل الشيوعيين في الحكومة الأميركية. كان ماكارثي أحد أقوى الرجال في الولايات المتحدة.
ماكارثي قدّم نفسه كمدافع عن البسطاء الواقعين تحت تهديد مؤامرة من قبل النخب اليسارية، وبذلك أثار خوف الجمهور من الشيوعية لتشويه الأعداء السياسيين وتأكيد هيمنته الشخصية. كان استخدام ماكارثي لنظرية المؤامرة بحد ذاته مؤامرة من قبل شخص قوي للتلاعب بخطأ في تفكير اليائسين والمحرومين من حق التصويت، باستخدام معلومات كاذبة.
وهذا يقودنا إلى البيئة السياسية والمؤامرة الحالية التي يواجهها الأميركيون: نشر نظريات المؤامرة من قبل النخب أنفسهم. لقد ازدهرت الشعبوية في اليمين واليسار خلال العقد الماضي، في ظل انعدام الثقة في المؤسسات ووسائل الإعلام الحزبية والاستقطاب السياسي. وأصبح التطور مهياً من قبل شخصيات قوية، من الرئيس إلى المضيفين في شبكة «إم إس إن بي سي»، الذين يعتقدون أن الرئيس أو أي شخص في حكومته هم عملاء لروسيا! والنتيجة هي تدفق مستمر من التفكير التآمري كأداة للتأثير.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»