إن قضية المواطنة قضية تستحق التفكير، وقضية التوطين ليست موجة يركبها كل من حلا له ذلك، فقد اعتدنا أن نسمع عن الوطن والمواطنة معسول الكلام ممزوجاً بأغلظ الأيمان لكننا حين نمتحن ذلك بالممارسة نسمع جعجعة ولا نرى طحناً، وحين نتابع سلوكيات بعضهم ونضعها تحت المجهر لا نرى إلا الرياء وكلمات حق أريد بها باطل. وإذا لم نعالج هذه الإعاقة الخطيرة في سلوك البعض منا فإن الكلام المنمق سيزداد تضخماً، وسيزداد تبعاً لذلك الفعل هزالاً وضموراً حتى يتلاشى وينعدم و"كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون". إن التغني صباح مساء بالمواطنة كعنوان للهوية والانتماء والإخلاص لن يفيدنا بشيء إلا أن نقدم فعلاً ناجزاً للوطن والمواطن، ولن يتحقق ذلك طالما أننا لم نغسل قلوبنا وعقولنا من أدران التفكير الضيق في الذات استثماراً للمواطنة.
إن المواطنة الحقيقية وإعادة تشكيلها على أرض الواقع ومنطق الإخلاص ومبادئ الشرف والكرامة تتطلب قدراً من شجاعة نقد الذات، فما نحتاج إليه هو أن نقف أمام ممارساتنا ناقدين أنفسنا لعلنا نرد لهذا الوطن بعضاً من حقوقه علينا. إن المواطنة التي تتجسد في الانتماء الحقيقي تعني أن على الفرد أن يضع مصالحه الذاتية جانباً، وأن يتحول بجهده نحو عزة الوطن ورفعته تماماً كما فعل آباؤنا وأجدادنا حين أدوا واجبهم بصمت تجاه هذا الوطن الغالي. إنني أدعو إلى إتاحة الفرصة كاملة أمام المخلصين العاملين لتولي المناصب الاستراتيجية لخدمة الوطن والارتقاء به، أما الإبقاء على عباقرة التخلف في مواقعهم بحكم المواطنة فقط فسيؤدي حتماً إلى بعث الإحباط في النفوس وإلى بقاء السؤال معلقاً.
نعم.. لابد من وجود الحد الأدنى من الشروط التي تتطلبها عملية التنمية المستدامة وخاصة حشد الطاقات المخلصة التي تتقدم الصفوف لحمل عبء الأمانة وتحقيق ما نصبو إليه من تقدم ورفعة. فإذا أردنا للمواطنة أن تنتقل من مجرد كونها شعاراً إلى حقيقة سياسية استراتيجية فإن ذلك يتطلب منا خطوات شجاعة نحو إنصاف أصحاب الانتماء الحقيقي لهذه الأرض الطيبة.
وعلينا أن ندرك أن شعور البعض بأنهم يبعدون من المشاركة الفاعلة وأن هناك من يضع العراقيل أمام اندفاعهم الإيجابي قد يثبطهم ويبعد بهم عن تأدية دورهم بالشكل الذي يعود خيراً على الوطن والمواطن. من هنا وجب علينا أن نعيد تفعيل شعار القائد الراحل "لنضع الشخص المناسب في المكان المناسب"، وأن نبادر إلى ترجمة هذا الشعار إلى واقع ملموس. والفرصة أمامنا متاحة بفضل الرؤية الصائبة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وولي عهده الأمين سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان "حفظهما الله".
وهذا يعني أن تركيزنا على ظاهرة المواطنة والانتماء يتطلب أولاً خلق المناخ السليم الذي يحيط بالجميع، فالأفراد الذين يشعرون بأن هناك من يحترم عقولهم وكرامتهم مؤهلون أكثر من غيرهم للتمسك بالمواطنة الحقة باعتبارها وسيلة ومنهجاً للعمل المجتمعي. ولقد حان الوقت لكي نحسم أمورنا في هذه القضية، فمن ليس معنا بقلبه وعقله وسلوكه وقدراته لا ينتمي لهذه الأرض إلا بالأوراق الثبوتية، وبالتالي فلا حاجة لمجتمعنا به، ذلك أنه من السهل على البعض أن يعطينا من طرف اللسان حلاوة إلا أننا لن نكتفي بقراءة حركة شفتيه وإنما نقرأ ما تقدمه يداه. إن الأفعال الصادقة والسلوك الشريف أقوى مفعولاً وأنجع أثراً من الأقوال المنمقة التي يتفوه بها أولئك الذين أتقنوا فن الرقص على معزوفة المواطنة بإيقاعاتهم الجوفاء الخالية من كل معنى إلا الضجيج المفتعل. ويقع علينا الاعتراف بأن الرؤية الصحيحة حين تنجلي على ضوء الممارسة الواضحة في كشف الخطأ والصواب، وحين يصبح المواطن الحق صاحب الحق في الدولة التي شادها زايد – رحمه الله- بالحق نكون قد أعددنا قطار الأحداث لينطلق في الاتجاه الصحيح وطردنا خفافيش الظلام الذين هم للحق كارهون ولا ينتمون لهذا الوطن إلا بالحديث المنمق لتحقيق ذواتهم العاجزة عن إدراك معنى المواطنة.