قلائل هم أولئك الذين يدركون الأهمية القصوى لوجود أرشيف وطني فاعل، في وقت أصبحت فيه مراكز الوثائق والأرشيف وبنوك المعلومات هي الرافد الأساسي لصناع القرار والباحثين، بل وللمخططين· ونحن -وقد دخلنا القرن الحادي والعشرين- لا نملك خيار البقاء خارج دائرة الفعل والعمل، وما دام الأمر كذلك فقد علمتنا التجارب أنه لا مكان للارتجالية في تنمية وتنظيم أمورنا على كل صعيد· حقيقة إن دولتنا الفتية -دولة الإمارات العربية المتحدة- قد حققت قفزات نوعية متميزة في مختلف المجالات وفي زمن قياسي، لكنها ما زالت تحبو في مجالات أخرى لأسباب قد أجهلها حقّاً· ومن هذه المجالات التي لم تحظ بالاهتمام الكامل مجال الأرشيف وحفظ الوثائق· وحين أخص الأرشيف بالذات فأنا أعني به كل ما يشمل السجلات والأوراق الرسمية والوثائق الحكومية وغير الحكومية، وسجلات ما تم إنجازه، والتعريف بما لدينا قياسًا بدورنا التاريخي· فأوراق كافة القطاعين العام والخاص، وسجلاتهما، ووثائقهما عادة ما تستخدم يومياً، وحتى حين تنتفي الحاجة العملية إليها مع مرور الأيام فإن الاحتفاظ بها في أرشيف متطور يساهم في الحفاظ على منجزات المجتمع، ويعتبر خطوة ضرورية للإبقاء على روابطنا بماضينا وحاضرنا، ويسهل قضية التعامل مع تطورات المستقبل، فالحاضر امتداد طبيعي للماضي، والمستقبل هو الامتداد الواقعي للحاضر·· وحتى يكون الامتداد منطقياً ولا يرغمنا على اللجوء إلى الآخرين في البحث عن صورة إنجازاتنا، لابد من إقامة أرشيف وثائقي شمولي ومرن يمكننا الرجوع إليه وقت الحاجة، وخاصة أن الوثائق والمعلومات هي مفتاح حركة المجتمع الديناميكية الخلاقّة· وهذا يناقض تماماً تلك النظرة الضيقة عند البعض، بأن الارشيف ليس سوى مواد تاريخية عفا عليها الزمن· ولهؤلاء أقول مستشهدة بقول صاحب السمو رئيس الدولة -حفظه الله-: من لاماضي له، لا حاضر له ولا مستقبل ولمّا كان ماضينا يعيش فينا الآن وغداً، فإن وجود الارشيف الفاعل كفيل بالإبقاء على حلقة الوصل مع الماضي والحاضر، ومع المستقبل· وحين أقول ذلك فإنني أنظر إلى الدول المتقدمة التي تتبوأ فيها مراكز الأرشيف والتوثيق مكانة خاصة، إذ يشرف عليها اختصاصيون من ذوي الكفاءات العالية، يدركون قدسية العمل الذي يقومون به، وأهمية المؤسسة التي يعملون فيها، ولمّا كان الأرشيف مهمّاً، فقد عنيت به هيئة الامم المتحدة؛ فجرى الاتفــــاق في اجتمــــاع اليونسكو عــــــام 1948 علــى تأسيس المجلس الدولــــي للأرشــــيف International Council on Archives ، وبالفعل انطلق هذا المجلس يمارس نشاطاته الأرشيفية والتوثيقية منذ بدايات عام 1950 من مقره في باريس، واشتهر منذ ذلـــــك التاريـــــخ باسم إيكا ICA وقـــــد بــــــادر هـــذا المجــــلس إلـــــــى إقــــامة عـــــدة فـــــروع إقليمــــية مــــنها الفرع الأقليــــمي العــــربي للمجــــلس الدولي للأرشيف عام 1972 أربيكا : The Arab Regional Branch of
.. the International Council on Archives
وقد عقد هذا الفرع مؤتمره التأسيسي في روما سنة ،1972 ثم أعقبه بمؤتمر آخر في بغداد عام ،1973 ثم أتبعه بثالث في طرابلس عام ،1975 كما عقد عام 1980 مؤتمراً رابعاً في العاصمة الأردنية عمان· وكان آخر هذه الاجتماعات الاجتماع الذي عقد في تونس في الفترة من 15-20 سبتمبر عام ·2003 وعند هذه النقطة أتساءل: أين نحن من هذا التطور في مجال الأرشيف ؟ هل قامت مؤسساتنا بواجبها الوطني في أرشفة الوثائق والسجلات؟ إلى أي مدى نجحت مؤسساتنا العامة والخاصة في حفظ ما لديها من التلف والضياع ؟
لقد تأسس عندنا في الإمارات مركز الأرشيف الوطني، ولكن هل تعاونت كافة المؤسسات مع هذا المركز بمسؤولية ؟ إن انعدام الوعي بأهمية الأرشيف عند البعض وغياب القانون الذي يمنع إتلاف الأرشيفات والسجلات أوجد ما يمكن تسميته بـ الفراغ الأرشيفي وهذا ما يجب إيقافه بشكل حاسم وسريع بإصدار قانون يحظر إتلاف هذه الثروة الوطنية؛ ثروة الأرشيف والوثائق والسجلات· وإذا كانت هناك أسباب تدعو إلى إتلاف أرشيف معين، فإن ذلك لا يتم ولا يجوز أن يحدث إلاّ ذا أقر مركز الأرشيف الوطني مثل هذه الخطوة، ونكون عندئذ قد وضعنا الأمور في نصابها، ووضعنا قطار التطور على السكّة الصحيحة· من هنا فإن تفعيل دور الأرشيف الوطني أصبح مهمة ملحة لا تقبل التأجيل.