لطالما سعت الهند إلى تقديم اختراعات منخفضة التكلفة في مختلف المجالات، فبداية طرحت أرخص سيارة في العالم، والتي عرفت باسم "تاتا نانو"، ثم صنعت أرخص كمبيوتر لوحي في العالم مقابل 40 دولاراً أميركياً فقط. وتبرهن الهند الآن أن بمقدورها الذهاب إلى كوكب المريخ بأرخص تكنولوجيا ممكنة، فخلال الأسبوع الماضي أطلقت نيودلهي بعثتها الخاصة إلى المريخ في محاولة إلى أن تصبح أول دولة تصل الكوكب الأحمر من آسيا، وتقدم نفسها على أنها الدولة المستكشفة للفضاء بأقل تكلفة. وانطلق الصاروخ المصنوع في الهند الأسبوع الماضي، حاملاً "مستطلع المريخ من دون رائد فضاء"، والذي يصل وزنه إلى أكثر من 1.35 طن، من الساحل الجنوبي الشرقي للهند، ويدور الآن حول الأرض في عملية قد تستغرق ما يصل إلى شهر قبل التسارع باتجاه كوكب المريخ في رحلة من المتوقع أن تحتاج إلى عشرة أشهر. وإذا نجح القمر في الوصول إلى المريخ، فإن الهند ستنضم بذلك إلى نادي الصفوة الذي يضم الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا. وبلغت تكلفة البعثة بأكملها، التي تشرف عليها منظمة أبحاث الفضاء الهندية، 75 مليون دولار أميركي فقط، في حين أن برامج مماثلة من دول أخرى تكلف مليارات الدولارات، فعلى سبيل المثال وضعت وكالة "ناسا" برنامج "مافين" لاستكشاف المريخ بتكلفة تصل إلى ستة أو سبعة أضعاف، ومن ثم فإن البعثة الهندية تمثل اختباراً لتكنولوجيا الفضاء منخفضة التكاليف. وتأمل الهند التي أعلنت عن بعثتها إلى المريخ في عيد استقلالها في أغسطس من العام الماضي، في التفوق على الصين، بالنظر إلى أن القوتين الإقليميتين تناضلان من أجل الهيمنة على المنطقة في سباق وصل الآن إلى الفضاء. وفي عام 2011، أخفقت الصين في إرسال مسبارها الخاص لاستشكاف المريخ بالتعاون مع روسيا، ورغم ذلك فإنها تفوقت على الهند في كافة جوانب السفر إلى الفضاء تقريباً، بإرسالها بعثات تحمل رواد فضاء وبناء أقمار صناعية أكبر وأثقل من نظيرتها الهندية. لكن إذا وصلت الهند إلى المريخ للمرة الأولى، فلاشك في أنها بذلك ستكون حققت انتصاراً كبيراً على الصين، ويكاد لا يكون هناك ريب في أن عدوى سباق الفضاء الذي اعتاد أن يكون بين روسيا والولايات المتحدة، انتقلت الآن لتصبح بين الهند والصين. ويعود برنامج الفضاء الهندي إلى بداية ستينيات القرن الماضي، عندما بدأت تصنيع أقمارها الصناعية وصواريخها، ومن بينها مركبة إطلاق الأقمار الصناعية القطبية، لتقليص اعتمادها على الدول الأخرى. وباتت منذ ذلك الحين لاعباً رئيساً في سوق الفضاء، بإرسال ما يربو على 50 قمراً صناعياً رابحة نحو عشرة مليارات روبية في العام 2010-2011 ارتفاعاً من 8.8 مليار روبية في العام السابق. وبدأ برنامج الفضاء الهندي بإطلاق أقمار صناعية محلية الصنع وتسارع نحو تحسين اتصالات الأقمار وتطبيقات الاستشعار عن بعد لإدارة كل شيء من أحزمة الغابات إلى أنظمة التحذير المبكر للأعاصير. وعندما ضرب إعصار ضخم الشهر الماضي الساحل الشرقي، تم إنقاذ آلاف الأرواح بسبب التحذير المبكر من شدة الإعصار. غير أن الهند أصبحت تركز أخيراً على استكشاف الفضاء الذي عززه اكتشاف المسبار القمري لدليل على وجود مياه في العام 2009. ولا يوجد شك في بزوغ الهند كدولة كبرى في استكشاف الفضاء، وتفعل ذلك باستخدام تكنولوجيا طورها علماء هنود، ورغم ذلك انتقد بعض السياسيين الحكومة بسبب بعثة المريخ التي اعتبروها "إطلاق من أجل السمعة"، قائلين إنه لا حاجة لدولة مثل الهند يعيش بعض سكانها تحت خط الفقر إلى إنفاق 75 مليون دولار على رحلة إلى الفضاء. لكن الغالبية يرون أنه كي تصل الهند إلى المستوى الثاني من التطور، فلابد من إنفاق المزيد على البعثات إلى الفضاء. وبعيداً عن الجدل، فالواقع أن بعثة الهند إلى المريخ ستتوج بالنجاح فقط عندما تصل المركبة الفضائية إلى المريخ. ومنذ عام 1960 تم إطلاق نحو 45 رحلة إلى الكوكب من قبل عدد من الدول، أخفق نحو ثلثها، وقلما نجحت المحاولات الأولى. وعلى الصعيد العلمي، فإن المركبة الفضائية ستساعد الهند على دراسة الغلاف الجوي في المريخ، إذ زودتها بجهاز استشعار لقياس الميثان في الغلاف الجوي، والذي يمكن أن يكتشف وجود حياة على الكوكب، إضافة إلى كاميرا لالتقاط صور ومعلومات عن السطح ومقياس طيفي حراري لعمل خريطة للسطح والمعادن على الكوكب. وقد أحرزت الهند بعض النجاحات الجيدة في برنامجها الفضائي، إذ دشنت العام الماضي صاروخاً طويل المدى قادر على ضرب أوروبا وآسيا، ونجحت أيضاً في إرسال قمر تجسس يمكنه المراقبة داخل الهند حتى أثناء الأجواء الغائمة، كما أطلقت أول قمر صناعي للاستشعار عن بعد إلى المدار باستخدام صاروخ عقب جهود استمرت عشرة أعوام. وبكل تأكيد، يمثل برنامج الهند الفضائي أهمية كبرى لتطبيقات التنمية وأيضاً لوضع الهند بين الدول الغازية للفضاء، لكن رغم وفرة البيانات المتوافرة عبر الأقمار الصناعية الهندية، إلا أن نحو 90 في المئة من الصور المرسلة لا تتم الاستفادة منها. وكثير من هذه الصور ضرورية لكل من الحكومة والقطاع الخاص، لا سيما من أجل تنمية البنية التحتية مثل الطرق والمطارات وتخطيط المدن،وقد تم تأجيل مشروع عمل خرائط للأراضي غير المأهولة، الذي دشنته وكالة الفضاء الهندية، لمدة 14 عاماً. ورغم كل ذلك، تبقى حقيقة أن بعثة الهند إلى المريخ المحاولة الأقل تكلفة للوصول إلى الكوكب الأحمر، وتعتبر مصدر فخر وطني.