يقوم فكر وتنظيم «الإخوان المسلمين» على خصائص أساسية ثلاث تعد مرتكزات هذا الفكر. وهذه الخصائص هي، أولاً: الاعتقاد بمبدأ يعده أنصار التنظيم سامياً ويستحق التضحية من أجله . ثانياً: الانتماء إلى تنظيم يتجاوز ويتجاهل الحدود الوطنية والجغرافية في مسائل الولاء والقيادة حيث يكون الولاء لقيادة التنظيم لا قيادة الدولة. ثالثاً: الارتكاز إلى دولة تعد هي القاعدة التي يستخدمها التنظيم لتحقيق أهدافه. وليس تنظيم «الإخوان» هو الوحيد الذي يعتمد هذه الركائز كمبادئ أو كخطة عمل، بل أن هناك تيارات عدة تشترك مع تنظيم الإخوان في هذه الخصائص، فالفكر الشيوعي مثلاً يرتكز على خصائص المساواة المطلقة بين البشر كمبدأ والولاء لتنظيم عابر للحدود والدولة الوطنية واستخدم الاتحاد السوفييتي السابق كقاعدة للتوسع والهيمنة حتى سقط وسقط معه الاتحاد السوفييتي كدولة. وكانت الصين الشيوعية تنحو النهج نفسه إلا أنها تداركت الأمر قبل أن تنهار الدولة الشيوعية الصينية، فاتخذت نهجاً مغايراً لشيوعية الاتحاد السوفييتي حتى لم يتبق من الفكر الشيوعي في الصين اليوم سوى الاسم. ومثله حزب «البعث» العربي الاشتراكي بل وحتى الحركة النازية التي نشأت وتوسعت في ألمانيا تميزت بالخصائص نفسها. والعامل المشترك بين هذه التيارات والتنظيمات بما فيها تنظيم «الإخوان المسلمون» أنها ولدت جميعها في حقبة تاريخية محددة هي بدايات القرن الماضي كردة فعل للاستغلال الاقتصادي والاستعمار السائد حينها . كما أن هذه التنظيمات جميعاً لم تؤد إلى نجاح ولم تجلب لبلدانها التي نشأت فيها سوى الخراب والدمار. فالشيوعية أدت إلى إنهاك الاتحاد السوفييتي ثم سقوطه، والنازية أدت إلى الحرب العالمية الثانية وخراب أوروبا. أما حزب «البعث» فإنجازاته في التدمير على الصعيدين المادي والبشري في قاعدتيه سوريا والعراق أوضح من نور الشمس. أما «الإخوان» فإن ما ساهم في بقائهم وإلى حد ما انتشارهم حتى اليوم أمران : الأول أنهم لم يخوضوا تجربة الحكم وبالتالي فإن الشعوب لم تتعايش مع نظامهم حتى تدرك بالواقع ما أدركته الشعوب الأخرى التي رزحت تحت وطأة المبادئ المماثلة في الاتحاد السوفييتي وسوريا والعراق وألمانيا النازية. أما العامل الثاني، الذي ساهم في استمرار تنظيم «الإخوان» إلى اليوم فكان اعتمادهم على الدين وجعله المادة المحورية لتنظيمهم. والدين له مكانة خاصة لدى شعوب المشرق، فكان هذا هو العامل النفسي الذي استطاع به «الإخوان» دغدغة مشاعر الشعوب. ثم كانت ثورة 25 يناير في مصر التي فوجئ بها «الإخوان» ابتداء ثم ما لبثوا أن سايروها. ولقد ارتكب «الإخوان» أكبر خطأ في تاريخهم، وهو الخطأ الذي سيؤدي إلى تغيير شامل في مصير تنظيمهم. إذ ركب «الإخوان» موجة الغضب الشعبي ضد نظام مبارك وبدلاً من المشاركة مع غيرهم في بناء حياة سياسية جديدة في مصر، رأى «الإخوان» أن فرصتهم التاريخية في الحصول على الدولة القاعدة قد أتت وغرتهم نشوة النصر بالاستئثار بالحكم في مصر، واعتمادها قاعدة لانتشار التنظيم في المنطقة، بل وربما في العالم علماً بأن التأسيس التاريخي لـ«الإخوان» ظل دائماً ينظر إلى مصر باعتبارها الدولة القاعدة بالنسبة له، ولذلك كان معظم أعضاء مجلس الإرشاد من الجنسية المصرية. بل أن أعلى مسمى قيادي في التنظيم وهو لقب «المرشد» احتكره التنظيم في مصر لنفسه ولم يسمح بالتنظيمات القطرية الأخرى باستخدام تسمية «المرشد» بل الاكتفاء بتسمية «المراقب العام» تأكيداً منه على هيمنة التنظيم في مصر على غيره من تنظيمات «الإخوان» القطرية. ومثلما لم ينجح الشيوعيون ولا«البعثيون» ولا النازيون في تحقيق أهدافهم، فإن «الإخوان» منيوا بفشل ذريع في إدارة الدولة المصرية التي بدأت في الانهيار الشامل خاصة وأن مؤسسات الدولة كانت أصلاً هشة منذ الحقبة السابقة. ولولا تدخل الجيش المصري وإزاحته «الإخوان» من الحكم لربما كانت الدولة المصرية قد انهارت تماماً كما انهار قبلها الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية. وأياً كان رأي المعارضين لتحرك الجيش المصري في 30 يونيو، فإن الجيش ما كان ليتحرك لو لم يجد قاعدة شعبية تسند تحركه، وهذه القاعدة الشعبية تمثلت في الحشود الضخمة التي خرجت إلى الشوارع متذمرة من الحال الذي آلت إليه في ظل حكم «الإخوان». والذي تجدر الإشارة إليه والتأكيد عليه أن «الإخوان» ليسوا سوى حزب سياسي يسعى إلى السلطة مثله مثل أي حزب آخر، وإن كان قد ضمّن الدين في مبادئه وبالتالي فإن فشل «الإخوان» محسوب عليهم، ولا يعد فشلاً للدين. فإنه وإن كان الدين الإسلامي منهاجَ حياة ولا يعرف الفصل بين الدولة والكنيسة كما هو الحال في المسيحية مثلاً فإن الدين يظل أمراً مستقلاً عن تنظيم «الإخوان»، ويجب التفرقة بينهما. لقد أخذ «الإخوان» فرصتهم التاريخية حينما تسلموا سدة الحكم في مصر بين عامي 2012 و 2013، وكانت نهاية حكمهم حتمية تاريخية وطبيعية لتنظيم يعتمد على أفكار انتهت صلاحيتها وتجاوزها الزمن. ومثلما لم تنجح التنظيمات الأخرى التي نشأت في بدايات القرن السابق، لم يكن لتنظيم «الإخوان» أن ينجح، لأن هذا الفكر يحمل في طياته بذور إخفاقه. إن فشل «الإخوان» سيقودهم حتماً إلى المصير التاريخي لزوالهم كتنظيم، وقد لا يعني هذا اندثار التنظيم بالكلية فلا تزال بقايا أحزاب شيوعية ونازية موجودة في أوروبا إلى اليوم، ولكنها أحزاب هامشية لم يعد لها تأثير في مجريات الحياة، وسينتهي تنظيم الإخوان إلى المصير ذاته، خاصة إذا نجح الحكم في مصر في بناء حياة سياسية صحية يسنده مجتمع مدني قوي.