لا يختلف اثنان على أن الدستور المغربي لسنة 2011 هو الأكثر تطوراً خلافاً لكل القوانين الأساسية في تاريخ المغرب. وقد كان من عادة المعلقين فيما قبل التمييز بين خمسة نصوص نظمت المؤسسات السياسية بالمغرب منذ سنة 1962 أي ابتداء من دستور سنة 1962 مروراً بدستور سنوات 1970 و1972 و1992 و1996، علماً بأن ثلاثة منها تظهر على شكل قوانين أساسية جديدة واثنين منها يعتبران مجرد تعديلين بسيطين. وإذا كان التصميم التقليدي والخاص للقوانين الأساسية المعمول بها في المغرب قد تم الإبقاء عليه في دستور سنة 2011، فإن غالبية الأحكام تم تغييرها، وبدرجة عميقة في الكثير من الأحيان. وقد ارتفع عدد الفصول بحدة ليصل إلى الضعف تقريباً: 110 فصول في سنة 1962، و101 في سنة 1970، و103 في سنة 1972 و102 و108 بعد تعديلات عامي 1992 و1996. أما عدد فصول دستور سنة 2011 فيصل إلى 180 فصلاً. وفيما يتعلق بمبدأ المساواة في دستور سنة 2011، فأول تجلياته يكمن في كون المغاربة من كلا الجنسين لهم الحق في المشاركة في الانتخابات. وتضاف إلى هذا، المساواة في فرص الحصول على الوظائف العمومية (الفصل 12) وكذا المساواة أمام الضرائب على أساس قدرة المساهمة لكل فرد. وهذه المسائل مسطّرة في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان لسنة 1789 وليس هناك نص وطني أو دولي في هذا المجال لا يشير إلى ذلك. وفيما يتعلق بمبدأ المساواة، فقد تم استبدال صيغة الحقوق السياسية المتساوية بين الرجال والنساء في دستور 2011 بالإحالة إلى الحقوق المدنية والسياسية (الفصل 30)، والتي تتماشى مع الجهود المبذولة منذ بداية حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس لصالح الوضع المدني للنساء، لاسيما من خلال مدونة الأسرة. وقد حددت الحقوق السياسية للنساء بإشارة تدعو القانون لينص على تدابير من شأنها تعزيز المساواة في الوصول إلى المناصب الانتخابية، لأنه على رغم الاقتناع المتزايد للمسؤولين المغاربة بالحاجة إلى توسيع مشاركة المرأة في صنع القرار السياسي وإعداد سياسات أكثر توازناً وإنصافاً في هذا الاتجاه، فإن تمثيلية المرأة وإن كان ضمن الأكثر تطوراً في الوطن العربي، فإنها لا ترقى إلى طموحات البلاد. وإذا كان وجود المرأة في الغرفة الأولى للبرلمان واسعاً غداة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، بفضل اعتماد مبدأ القائمة الوطنية للنساء، فقد كنّ أقلية في الوصول إلى مجلس المستشارين. ولهذا، فالدولة مطالبة اليوم، وفقاً للدستور -وريثما يتم إنشاء الهيئة المكلفة بالمساواة ومحاربة جميع أشكال التمييز- باتخاذ التدابير القانونية لتحقيق مبدأ المساواة فيما يتعلق بالتمثيلية النسائية، خصوصاً أن المغرب يسعى لتحقيق المعدل العالمي للتمثيلية النسوية (19,5 ?في ?المئة)?. ولا غرو أن هذه الإجراءات تقوي ما جاءت به البنود الأخرى لدستور سنة 2011 حول المساواة، خاصة فيما يتعلق «بالحقوق والحريات الأساسية» حيث «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية» (الفصل 19)... وفيما يتعلق بالمساواة في الحصول على الحقوق السياسية، لا يأخذ الفصل 30 موقفاً لصالح النساء فقط ولكن أيضاً لصالح الأجانب مع حقوق يمكن فهمها من ناحيتين: فمن جهة، يتمتع هؤلاء بالحريات الأساسية المعترف بها للمغاربة وفقاً للقانون، ومن جهة أخرى يمكنهم المشاركة في الانتخابات المحلية، إلا عند وجود قانون خاص أو اتفاقية دولية وتبادلية، وهي فرضية يمكن تفسيرها على أنها يد ممدودة من قبل المغرب إلى غيره من أعضاء المجتمع الدولي من أجل إدماج متوازن للأجانب... وأخيراً، يحيل الدستور على القانون في جميع المسائل المتعلقة بتسليم الأجانب واللجوء السياسي، الشيء الذي ينبغي أن يجنب المغرب الإغراء الملحوظ في جميع أنحاء العالم بتنظيم وضعية الأجانب بطريقة مقننة، غالباً ما تسطر في عجلة مع كل التداعيات المعروفة... وفيما يخص الحقوق المدنية كذلك، فقد تمت معالجتها على الخصوص في الفصل 32 المخصص للأسرة. وتجب الإشارة هنا إلى أنه لم يتم تضمين حق المساواة في العمل والشغل، بما في ذلك القطاع العمومي، في فصل واحد ولكنه وزع في ثلاثة فصول مخصصة على التوالي للمواطنين والأسرة والشباب (الفصول 31 إلى 33). فمن فصل إلى آخر، تتقارب التأكيدات على رغم أن الفصل 31 هو الأكثر وضوحاً فيما يتعلق بالمناصب العمومية: «حق [...] ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق». وتعطي الحقوق الاجتماعية للمواطنين بوضوح مكاناً للتعليم: «حق [...] الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة... [و] الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي» (الفصل 31). والفصل الثالث حول الأسرة كان صريحاً فيما يتعلق بكون «التعليم الأساسي حقاً للطفل وواجباً على الأسرة والدولة» (الفصل 32). أما بخصوص الشباب، فالسلطات العمومية مطالبة باتخاذ التدابير المناسبة من أجل «مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني» (الفصل 33). ومن أجل التنفيذ الفعال لهذه المبادئ المحترمة والالتزامات الطموحة، يتوقف ذلك على الوسائل التي يمكن حشدها من طرف الدولة المغربية والجماعات المحلية والجمعيات والأسر. ونحن نتحدث هنا عن أهم تجليات مبدأ المساواة، فإن توفير التعليم للجميع هو التحدي الرئيسي الذي يتوجب على المغرب رفعه بسياسات تربوية وتعليمية رائدة للوصول بالمجتمع الذي صادق بالإجماع على مقتضيات هذا الدستور إلى بر التقدم والرخاء.