في شهر يوليو الماضي سعدتُ بالسفر إلى أنحاء متعددة من كندا برفقة زميلي ومضيفي وصديقي السيد جون بيرد وزير الخارجية، وذلك بالتزامن مع احتفالنا بمرور أربعين سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين كندا والإمارات العربية المتحدة. ولقد قضيت زهاء الأسبوع بعيداً عن هموم السياسة في رحلة صيفية ممتعة امتدت من سواحل فانكوفر إلى سهول ألبرتا ثم إلى تورنتو التي تتمتع ببيئة نابضة من التنوع الثقافي الذي يعبر عن ثراء تاريخ وتراث كندا وشعبها المضياف الذي يرحب بالشعوب الأخرى، مما يجعل من كندا صديقاً وشريكاً استراتيجياً لدولتنا. وفي ظل ما تتمتع به كندا من غنى ونجاح يغري المرء هنا بأن ينسى بقية العالم - وعلى وجه الخصوص منطقة الشرق الأوسط التي تشكل الإمارات العربية المتحدة جزءاً منها - وهو الجزء الذي يبدو في الغالب زاخراً بالصراع هذه الأيام.. ورغم ذلك يرفض الكنديون أن يكونوا قانعين بهذا الوضع. وإن هذه المقاومة لاتباع المسار السهل وتفضيل المسار الصحيح عليه هي ما يجعل كندا شريكاً مهماً ومحل تقدير على المسرح العالمي في وقت صار فيه من المهم أكثر من أي وقت مضى أن تتكاتف الدول ذات الأفكار المتشابهة وتحرص على حماية قيم التسامح والتنوع المشتركة فيما بينها وأن تتم صيانة الفئة الأكثر ضعفاً بيننا من الإرهاب. لقد قضينا السنوات الثلاث والأربعين بعد استقلالنا في بناء مجتمع يسعى على غرار سعي كندا إلى أن يكون متسامحاً ومضيافاً لكل البشر من كل أنحاء العالم، وأن يكون نسيجاً متنوعاً ومتعدداً من الثقافات والمعتقدات. ونفخر بأننا قد حققنا ذلك في هذا الجزء من العالم، والذي لا يمكن فيه الاستخفاف بقيم كهذه تتعرض الآن لهجوم ناشط يشنه متطرفون تدنس رؤيتهم الضيقة معتقداتنا المقدسة، وليس لهم مكان في هذا العصر الحديث.. إن دولة الإمارات العربية المتحدة قادرة على مواجهة التحدي الذي يشكله هؤلاء المتطرفون. ونحن في هذه المنطقة لا نتوارى خجلاً من الحقيقة التي مفادها أن هذا القتال هو قتالنا نحن، وأننا يجب أن نكون أول من يهب دفاعاً عن أسلوب حياتنا. إن الإمارات العربية المتحدة تشارك بفاعلية في التحالف الدولي المتنامي ضد "داعش"، حيث إن طيارينا يشاركون في مهام قتالية فاعلة .. على أنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا القتال يخص بلدان الشرق الأوسط وحدها، فالأيديولوجيات المتطرفة لا تحترم الحدود، ولذا تتطلب منهجاً عالمياً موحداً و شاملاً. كما أن استعداد كندا للمساهمة بموارد عسكرية في التحالف بحسب ما بينه بوضوح رئيس الوزراء "ستيفن هاربر" هو محل ترحيب وتقدير، ويعبر عن القيادة القوية، ويُمثل رصيداً وشرفاً لكل الكنديين. وبالتأكيد وكما قال السيد بيرد في البرلمان الكندي يوم الاثنين الماضي: "يجب أن نفكر على نطاق واسع حيال ما نحن عليه، وما يحمله المستقبل لشعبنا". ورغم هذا نعلم أن هذه المهمة العسكرية - رغم أهميتها - لا يمكن لها بحد ذاتها أن تستأصل الخطر الذي يشكله المتطرفون، إذ إن فضح إفلاس الأيديولوجيا الإرهابية يشكل مهمة أطول بكثير وأكثر تعقيداً. ومن الضروري بالدرجة ذاتها في هذه المعركة من أجل الوسطية أن يكون هناك عمل نشط عبر السياسة والدبلوماسية لتقليل المساحة العالمية للنزاع المفتوح إلى أدنى حد ممكن، أي لا بد لنا من أن نقلص ميدان المعركة من خلال تحقيق الاستقرار في المناطق المضطربة.. ففي سوريا يعني هذا مواصلة دعم المعتدلين والسعي إلى حل سياسي ينسجم مع مطالب الشعب السوري المشروعة.. وفي مصر يعني هذا تحقيق استقرار الاقتصاد وضمان أن كل واحد من الناس لديه الفرصة لكسب العيش الآمن لنفسه ولعائلته.. وفي فلسطين وإسرائيل يعني هذا مواصلة العمل نحو حل الدولتين الذي يضمن تحقيق الكرامة والأمن بإجراءات متساوية. ومن المؤكد أن تفاصيل هذه القضايا تكون على الدوام معقدة أكثر من الخطوط العريضة، بل وحتى الحلفاء المقربين يمكن أن تكون لديهم اختلافات عملية في الطريق نحو الأمام. وهذا أمر مفهوم في كل من أوتاوا وأبوظبي.. غير أن الخطوة الأكثر أهمية وجوهرية والأكثر صعوبة من نواح كثيرة تتمثل في اتخاذ قرار بإعلان موقف محدد. فالإمارات العربية المتحدة وكندا وشركاؤنا وحلفاؤنا قد أعلنوا ذلك الموقف، ورغم أن القتال لن يكون سهلاً أو قصيراً فإن عزمنا المشترك يبرهن على أن المبادئ التي ندافع عنها هي مبادئ عالمية شاملة وأقوى بكثير من قوى التعصب. إن هذه الحقيقة هي ما يعزز ويدفع الشراكة الإماراتية - الكندية للأمام .. وإن هذه هي الحقيقة التي تبرهن أن قيم التعاون والتقدم المشتركة - وبوجود المقدار الملائم من الجهد - ستكون لها الغلبة على قوى التدمير والأفق الضيقة. ـ ـ ـ ـ ــ ــ ــ ــ ــ ـ ـ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية