ظل دستور جمهورية الهند منذ بدء العمل به بعد الاستقلال في عام 1947، يحمل بين طياته آمال وتطلعات وقيم الشعب، ويركز على مبادئ العدل والحرية والمساواة والأخوة. كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد ثبتت في دستورها لعام 1971 ومن خلال استلهامها لأقوال ومنجزات مؤسسها وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أنها تقوم على مبادئ متقدمة، تضع السلام والرفاهية والاستقرار والتسامح والوحدة في جوهر علاقاتها مع الدول والحضارات الأخرى. وعندما يلتقي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، دولة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند، خلال زيارته لها، فسيتطرقان إلى القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين، والماضي الغني بينهما، وإمكانات تعزيز هذه الشراكة الاستراتيجية الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ. وقد مثلت مدينة مومباي أو بومباي سابقاً فيما مضى، البوابة الأساسية لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو الهند، حيث كانت الرحلة التي تستغرق ثلاثة أيام على ظهر القوارب التي تمخر عباب بحر العرب بمثابة المنطلق نحو التعليم والعلاج والفرص المتزايدة عند التوجه شرقاً، وكانت تلك المدينة تمثل بطرق شتى نافذة الإمارات نحو العالم. وشكل هذا الممر المائي المرتكز الأساسي لعلاقاتنا، وأسهم في تنشيط تجارة الأنسجة والأغذية والمجوهرات، ورسخ بشكل ثابت عملية التبادل الثقافي واللغوي، وعندما كان اقتصاد دولتنا يعتمد بشكل كبير على استخراج اللؤلؤ قبل اكتشاف النفط، كانت الهند هي المدخل الرئيس لهذا النشاط نحو الأسواق العالمية. أما اليوم، فقد برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كملتقى طرق يجمع بين منطقة المحيط الهندي وبقية أنحاء العالم، وذلك بفضل التزام حكومتنا إقامة مراكز رائدة للأعمال والصناعة والنقل، تسهم في تنشيط الحركة بين مختلف المناطق، وتوفر فرصاً لا متناهية للتعاون. وبينما لا تزال بعض البضائع التقليدية تشكل جزءاً من علاقاتنا التجارية القوية، فإن الحجم الحالي لهذه التجارة، الذي يفوق 59 مليار دولار سنوياً، يوضح أن الروابط الاقتصادية الوثيقة التي تجمع الإمارات والهند، تواصل نموها بالتوازي مع التطور التنموي الذي تشهده الدولتان. وتقدر قيمة الاستثمارات الإماراتية في الهند التي تلقت دفعة قوية بفضل المبادرات الاقتصادية الفعالة لحكومة ناريندرا مودي، ومهدت الطريق أمام النمو المستقبلي للهند، بحوالي 10 مليارات دولار، ومن المؤمل أن تسهم هذه الزيارة في زيادة هذه الاستثمارات، وكذلك في زيادة إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين، خاصة أن طموحاتنا المشتركة نحو الشراكة الثنائية هي طموحات استراتيجية في المقام الأول. وعلى الرغم من أن الهند هي سلفاً أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات، إلا أننا نعتبر الشريك التجاري الثالث للهند، ولدينا هدف طموح لدفع نمو التبادل التجاري بيننا بنسبة 60 في المئة خلال خمس سنوات، وهو ما يؤكد الثقة التي توليها كل واحدة من دولتينا في المستقبل الواعد للدولة الأخرى، وكذلك التزامنا المشترك الوصول بشراكتنا إلى أعلى مستوياتها. وسيأتي هذا النمو مدفوعاً بالتعاون في القطاعات ذات الاهتمام المشترك، وبالفرص الماثلة أمام دولتينا في مجالات الطاقة وصناعات الطيران والتكنولوجيا وتطوير البنى التحتية. وتمثل التكنولوجيا المتقدمة والتصنيع، بوجه خاص، أهم المجالات التي يمكن لقطاعات الأعمال في دولة الإمارات والهند أن تتعاون فيها، مستفيدة من الفرص العالمية التي توفرها، وهناك العديد من الأمثلة على قيام هذا التعاون، وأحدها «إنفيكاس»، وهي مؤسسة تتخذ من مدينتي حيدر أباد وبانغلورو مقار لها، وتعمل في مجالات تصميم أشباه الموصلات وتسجيل ملكياتها الفكرية، وقد أقامت «إنفيكاس» شراكة ناجحة مع «غلوبال فاوندريز» الشركة التصنيعية المملوكة لأبوظبي، ولديها عمليات في كل من الولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة. وإذا ما وضعنا الأعمال جانباً، يجب ألا ننسى الروابط الإنسانية التي تجمعنا، بدءاً من الإسهام الحضاري الملموس والمتواصل للجالية الهندية في الإمارات، ومروراً بالشغف المشترك للأفلام الهندية الذي أدى لأن تصبح دولة الإمارات موقعاً رئيساً لتصوير أضخم أعمال صناعة السينما الهندية والتي تعرف ب «بوليوود». وبارتكاز علاقاتهما على أسس حضارية وتجارية وتاريخية متينة، تتوافر لدولة الإمارات والهند منطلقات ثابتة للانتقال بتلك العلاقات نحو آفاق أرحب، وهذا يعني بالضرورة تكثيف التحاور والتعاون في قضايا مثل الأمن الإقليمي، وهو مجال يشهد بالفعل تعاوناً قوياً بين البلدين، إلا أنه ما زال هناك الكثير من الفرص للعمل معاً بشكل أكبر على العديد من القضايا المرتبطة بالأمن، خاصة محاربة الإرهاب والأمن البحري والإلكتروني، وكذلك لتأكيد الاحترام المتبادل لمبادئ السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. والمجال الآخر هو التغير المناخي، حيث تقر الدولتان بالتحديات العالمية الجسيمة التي تفرضها هذه الظاهرة، وتنظران إلى تطوير الموارد المستدامة للطاقة كأولوية استراتيجية مشتركة، وسيتم العمل في هذا المجال على المستويات كافة، بما فيها القطاعات الحكومية والخاصة والمدنية والأكاديمية. وفيما نمضي قدماً في علاقاتنا ونحدد معالم الطريق نحو تعزيز تعاوننا في هذه المجالات ومجالات أخرى ذات أهمية عالمية، نتساءل: كيف سيبدو شكل علاقاتنا الاستراتيجية المرتكزة على التوسع الناجح في قيمنا الراسخة والمشتركة؟ في تقديري الشخصي، سيأتي النجاح في أشكال عديدة، مزيد من الأمن والاستقرار في المنطقة، وشراكة أكبر في مجالات الطاقة المستدامة والتكنولوجيا المتقدمة، وتمكين أكبر للمرأة، ومزيد من الرحلات الجوية بين الإمارات والهند، ومزيد من التبادل الأكاديمي والثقافي، ومزيد من الازدهار الاقتصادي، وبالتالي مزيد من التفاؤل، ونحن نتطلع إلى مسيرتنا المشتركة.