في 5 يناير 2013 تساءل شي جين بينغ، الزعيم الصاعد يومها للحزب الشيوعي الصيني، قبل تسلم مهام منصبه رئيساً للبلاد بشهرين، وهو يخطب أمام أعضاء اللجنة المركزية، قائلاً: «لماذا سقط الاتحاد السوفييتي؟ وما الذي جعل الحزب الشيوعي السوفييتي يفقد السلطة؟ لقد كان أحد أهم الأسباب هو أن تاريخ الاتحاد السوفييتي وتاريخ حزبه الشيوعي تم التنكر لهما تماماً. وقد رفض لينين، وبعده ستالين، الاعتراف بحقيقة أن العدمية التاريخية كانت هي سيدة الموقف.. وهذا هو الدرس الذي يتعين علينا نحن استخلاصه والاستفادة منه». ومنذ تسلم الرئيس «شي» السلطة رسمياً في بكين في منتصف شهر مارس من ذلك العام ظلت مهمة العمل على تجنيب الصين في الغد المآل الفاجع الذي لقيه الاتحاد السوفييتي بالأمس، أحد أهم أهداف ومحددات سياساته الداخلية والخارجية الساعية لضمان استمرار صعود الصين الاقتصادي والاستراتيجي على المسرح الدولي، وجعل الحزب الشيوعي الحاكم أيضاً قادراً على الاستجابة لتحديات المرحلة والعبور بأمان نحو المستقبل. وهذه، باختصار شديد، هي زبدة فلسفة «شي» كما يراها الكاتب الفرنسي فرانسوا بوغون في كتابه الجديد: «في رأس شي جين بينغ» الصادر في الرابع من شهر أكتوبر الجاري. وبوغون صحفي متخصص في شؤون الصين وشرق آسيا، وقد عمل من قبل مراسلاً لوكالة الأنباء الفرنسية في بكين لمدة خمس سنوات، ويعمل الآن رئيساً مساعداً لقسم الشؤون الدولية في جريدة لوموند. ويقول بوغون إن الرئيس «شي» يتميز بسعة أفقه في نظرته لموقع بلاده من النظام الدولي، كما يستند أيضاً في رؤاه السياسية والفلسفية إلى مقولات نظرية من الرؤية الماركسية المطعّمة بالطابع الثقافي والقومي الصيني المستمد من آراء كونفيشيوس ومنشيوس وهان فيو وغيرهم من حكماء ما قبل التاريخ في الصين. ولذلك نجد في طرحه الحديث عن خصوصيات التجربة الاشتراكية الصينية، بطريقة مختلفة عما كان سائداً في مقولات ماو تسي تونغ مثلاً، حيث تصادِفنا في خطاب «شي» مفاهيم مختلفة من قبيل القيم الكونية الجامعة، والديمقراطية الدستورية، والنيوليبرالية، والعدمية التاريخية، والاشتراكية الديمقراطية، والاشتراكية بالمواصفات الصينية، وسوى ذلك من مفاهيم ومقولات جديدة لم تكن من معهود الخطاب الإيديولوجي الشيوعي الصيني المعتاد منذ أيام ماو. ومن هنا اعتبر الكاتب أن عملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي الواسعة التي يقودها «شي» الآن في الصين، هي ما يفسر عمق نظرته لدروس التجربة السوفييتية، حيث إن سقوط الاتحاد السوفييتي السابق قد فرض على القادة الصينيين، حتى قبل مجيء «شي» للسلطة، الاستجابة لتحدٍّ دولي جديد ربما لم يكونوا يرغبون في التصدي له الآن، ألا وهو تحول بلادهم إلى القطب الدولي الثاني في مواجهة أميركا والغرب، وتحول اقتصادهم في الوقت نفسه إلى ثاني اقتصاد عالمي أيضاً، وكل هذا رتب عليهم ضرورة الاستعداد للعب أدوار دولية كبرى، في حين أن عملاً داخلياً هائلاً ما زال ينتظرهم إنجازه لانتشال أعداد كبيرة من مواطنيهم من تحت خط الفقر. ولذلك واصلت الصين التحرك والعمل على كلتا الجبهتين، وأبلت خلال السنوات الماضية بلاء حسناً، وخاصة في الجانب الاقتصادي، على رغم تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وفي المجمل، فما يريد الكاتب إبرازه في سيرة ومسيرة وطريقة تفكير الرئيس الصيني هو قدرته على التفكير بأساليب جديدة، وسعية للمحافظة على تراكم منجز دولته السابق خلال العقود الماضية، وعمله الحثيث أيضاً على ضمان عدم تكرار تجربة السقوط السوفييتية مع الصين والحزب الحاكم في بكين. حسن ولد المختار الكتاب: في رأس شي جين بينغ المؤلف: فرانسوا بوغون الناشر: سولين/ آكت سيد تاريخ النشر: 2017