خلال الاحتفال الذي نظمته بريطانيا بذكرى مرور 100 عام على الوعد الذي أعطاه وزير خارجيتها الأسبق بلفور للورد اليهودي روتشيلد، أحد قادة الصهاينة في بريطانيا، بمنحهم فلسطين كوطن قومي، وصفت رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» الوعد بأنه كان فخراً لبريطانيا التي قامت بدور رائد في تأسيس الدولة العبرية، وأضافت أن إسرائيل «دولة انفتاح وتسامح وديمقراطية ومنارة للعلم»، مؤكدة على استمرار بريطانيا في دعمها ومساعدتها على البقاء. وقد استفزت تلك الكلمات مشاعر الفلسطينيين والعرب، وجعلت الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط يبعث برسالة صريحة إلى وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، يطالبه فيها باعتراف بريطانيا بدولة فلسطين لتصحيح وعدها المشؤوم، كما اعتبر أن تفاخر كبار المسؤولين البريطانيين بهذا الوعد والاحتفال به يمثل انتهاكاً لحقوق الشعب الفلسطيني بأكمله، وهو الموقف ذاته الذي أكد عليه سعيد أبو علي، الأمين العام المساعد للشؤون الفلسطينية في الجامعة العربية، حيث طالب بريطانيا باعتذار مادي ومعنوي للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور، وأشار إلى أن الاحتفال بهذه المناسبة يعد انتهاكاً للمواثيق والقوانين الدولية واستفزازاً للمشاعر العربية. لكن «ماي» كانت صريحة في ردها على هذه المطالبات عندما قالت إنها قطعاً لن تعتذر عن وعد بلفور الذي مهد لتأسيس دولة إسرائيل، وكلنا نعلم ما سبّبه ذلك من شقاء للشعب الفلسطيني والأمة العربية ككل! وبمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور، أشار المؤرخ البريطاني وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة هارفارد، «روجر أوين» («الأهرام»، 2 نوفمبر 2017)، إلى نقطة مهمة بهذا الخصوص، وهي أنه لولا وجود هتلر، الزعيم الألماني النازي، وموضوع الهولوكوست، واندلاع الحرب العالمية الثانية، لما قامت إسرائيل. فمعظم اليهود كانوا يرون أنفسهم أوروبيين وكانوا يفضلون البقاء في أوروبا، مؤكداً أنه لولا ذلك لما كان وعد بلفور قابلاً للتطبيق في فلسطين، إذ كان يمكن تأسيس وطن لليهود في أي مكان آخر. والمشكلة التي تواجه العرب بعد مرور 100 عام على هذا الوعد وما ترتب عليه، أنهم تركوا إسرائيل تمارس أهدافها وتفرض الأمر الواقع لتجهض أية إمكانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الاحتلال وحماية مقدساته الإسلامية (المسجد الأقصى والقدس الشريف) من يد الاحتلال الاستيطاني. وبالطبع لم تتضافر جهود العرب لوضع استراتيجية مضادة لمواجهة الإجراءات والمخططات الاستعمارية الإسرائيلية ولإجبار دولة الاحتلال على وقف مشاريعها الزاحفة تكريساً للأمر الواقع وهو الاحتلال الاستعماري الاستيطاني. وعلى العكس من ذلك، وللأسف الشديد، فقد أصبح بعض العرب يتوددون لإسرائيل ويتقربون منها ويتعاونون معها سراً وعلانية، حيث كشفت القناة العاشرة في التليفزيون الإسرائيلي مؤخراً عن أن وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أبدى رغبة بلاده في إقامة علاقات دبلوماسية علنية كاملة مع تل أبيب، وكان ذلك مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية في عام 2005 تسيبي ليفني، حيث أكد لها أنه لا يشترط إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس بشكل مسبق لإقامة هذه العلاقات العلنية، وكما قالت القناة فإن تلك اللقاءات كانت قد بدأت قبل ذلك بتسع سنوات.