أن تكتب للآخرين فهذا أمر جلل. أما أن تكتب للأطفال فهذا أمر مستحيل. هذا ما أعتقده وما كنت أصر عليه بيني وبين نفسي باستمرار، ولهذا كنت أنظر لكتّاب الأطفال بتقدير شديد، ولمعلمي المراحل الدنيا وكأنهم مخلوقات خارقة. قد أمزح مع طفل وأجعله يضحك، قد أتجرأ قليلاً وأصطحبه في نزهة لا تطول عن الساعة حتى تعود والدته، والحقيقة أن هذا لم يحدث طيلة حياتي سوى مرة واحدة، كما يمكنني أن أشاركهم الرقص والغناء حتى يصيبني الإجهاد.. هذا كل ما أستطيع فعله أمام هذه الكائنات الصغيرة، غير أني وبلا مبالغة، مراقبة جيّدة لتلك التغيّرات التي تطرأ على الأطفال من حولي، وملتقطة بحساسية بالغة لتطورهم اللغوي والنفسي والسلوكي، وكذلك أعد نفسي من أكثر المبهورين المتفاعلين مع ردات أفعالهم، وأشد المعجبين بأي موهبة تبدو عليهم، وهي ميزة قد يعدها البعض بلا فائدة، ولكن حسب خبرتي الممتدة في هذا الأمر، تجعلني أمتلك خبرة كافية في استيعاب ما يثير الأطفال ويجعلهم يحلّقون، وغيرها من الأمور التي تجعلهم يسأمون. عندما كُلفت منذ شهر برئاسة تحرير مجلة «ماجد»، أصابني الرعب، فآخر ما أود تحمل مسؤوليته هو طفل صغير، فما بالك مسؤولية ملايين الأطفال العرب الذي يطّلعون على «ماجد»، وملايين الكبار الذين يتعاملون مع هذه المجلة العريقة بحنين بالغ الحساسية، ويعدّونها الأساس المعرفي الذي أشعل فيهم جذوة حب الاطلاع والعلوم، ويطالبون بشدة أن يستمر دور المجلة، دون أن يتوقفوا قليلاً ويسألوا أنفسهم: هل معطيات واقعهم منذ أربعة عقود تشبه الواقع الذي يعيشه أطفالهم الآن؟! هل ما كان يجذبهم سابقاً يبالي به صغارهم؟ بسهولة يستطيع الجميع أن يجيب عن هذا السؤال، وهي سهولة تشبه كثيراً السهولة التي تجعلهم يدلون بدلوهم بكل ثقة في أي شيء يخص الطفل، فلأنه طفل يعتقد الجميع أنه يعرف ما يخصه، فيما الحقيقة أنه أكثر الكائنات المعرضة للتجارب والاختبارات، وذلك رغم الواقع الكارثي المتحقق، لكون النتائج لا يمكن رصدها إلا بعد ما يزيد على عقد ونصف العقد عن عمر التجربة. مجلة «ماجد» التي أكملت عقودها الأربعة في فبراير الماضي، لا يمكن أن تعود للوراء بأي حال من الأحوال، فلا الواقع بقي كما هو، ولا قراءها بقوا على حالهم، وهذا هو التحدي الحقيقي، تقديم «ماجد» بكل إرثه العريق في محيط لا يشبه الواقع الذي خبره طوال العقود الماضية من تاريخه!