أقامت النحاتة اللبنانية سلوى روضة شقير مؤخراً في بيروت معرضاً استعادياً لمنحوتاتها على امتداد ما يزيد على نصف قرن من زمنها النحتي، هذا الزمن الخاص والمتفرد في صيرورة النحت اللبناني.. فالفنانة تجاوزت السادسة والثمانين من عمرها الخصب، وتجربتها النحتية تتميز بالتجريد، ومفرداتها النحتية مفردات رموز في الحجر. والواقف أمام مدينة شقير النحتية وشواهد الإبداع في الكتلة والفضاء شبيه بالواقف أمام تلك المدينة المسحورة التي ورد ذكرها في ألف ليلة وليلة، وقد حلّت بها في ذات يوم من الأيام، لعنة ساحر، فجمدتها على ما هي عليه، ببشرها وحيواناتها وطيورها وأسواقها... بشواهدها وقصورها ومخلوقاتها الحية. على أن الفارق بين المدينة الموصوفة في إحدى حكايات ألف ليلة وليلة ومدينة سلوى روضة شقير، هو أن تماثيل هذه الفنانة ليس فيها تذكير بشكل إنسان أو حيوان، نبتة أو طائر. فهي مدينة أشكال مجردة وكتل رمزية، وكأنها مدينة مُثل محفورة في الطين أو الخزف أو الخشب أو الحجر. ندخل في مدينة سلوى روضة شقير ونسأل أنفسنا ونحن أمام أشكالها المجردة الموغلة في التجريد: أمام أية دهشة نحن؟ أمام أية موسيقى وأي سؤال؟ ونسأل أنفسنا أيضاً: ما نوع الجملة النحتية التي تميز منحوتات هذه الفنانة، كما تميز الجملة الشعرية قصيدة شاعر ما؟ ولأنه، كما النحت ليس واحداً والشعر ليس بواحد، فإننا نسأل عن نوع الشعر الذي نجده في منحوتاتها: هل هو وصفي؟ واقعي؟ غنائي؟ سريالي؟ حِكَمي؟ لغوي؟ شكلاني؟... هل لديها شطح صوفي مثلاً؟ فإذا كنا أمام منحوتة لرودان Rodin مثلاً كالفجر أو السرّ أو الرجل الساري في النوم، نقرأ قصيدة رومانسية تتمتع بسكون درامي هادئ وتنضح منها الحركة... وإذا كنا أمام منحوتة متحركة لكالدر CALDER نقرأ قصيدة تجريدية عناصرها أشكال تومئ الى عناصر في الطبيعة دون أن تكون إياها... وإذا كانت منحوتات جياكوميتي GIACOMETTI توحي بالرغبة في الاختزال وكشط الكتلة حتى العظم أو تهزيلها كما لو أن ثمة شاعراً يكتب قصيدة فقيرة... وإذا كنا أمام لوحات “ولز” نشعر بمزيج خاص من سحر وأوتوماتيكية (كما يقول سارتر). فأي نوع من الشعر يمكن أن ينضح من لوحات سلوى روضة شقير؟ في أعمال هذه النحاتة شعر تجريد. ذلك أول ما بالإمكان قوله إنها تعمد الى الكتلة الكبيرة المصمتة في المادة وتجزئها الى كتل هندسية أصغر حجماً، الى فواصل هندسية ونغمية مجسمة، ثم تعود الى تركيب منحوتتها بضم تلك الفواصل الى بعضها البعض. وكل جزء من الأجزاء الهندسية تسميه Module (معدول). وهي في عملها تطرد أي إيحاء لشكل بشري أو حيواني أو نباتي، فعملها ثنائيات هندسية: سلب وإيجاب نتوء وفجوة طول وعرض وهي من أجل ذلك لا تمنح لمنحوتاتها أسماء كي لا تحصرها بحيز. في منحوتة شقير قصيدة بلا قصد ولا نوستالجيا. لكأنها أقرب للشعر الحكمي منها لأي شعر آخر. أقصى حالات الترميز والتكيف: هذا ما تقصد إليه. وهذه هي خصوصيتها النحتية.