ناصر جبران المبدع الذي أضاء الساحة الثقافية بقصائده وقصصه الجميلة، عبر مسيرة طويلة في الإمارات، تلألأت بإضافاته الأدبية.. يمضي الآن في طريقه عابراً إلى شمس الضفاف البعيدة. ناصر جبران المبدع، كان في معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، حالاًّ ومرتحلاً. حضر ناصر، كما نعرفه على الدوام، صاحب القلم والكلمة، وصاحب الإصدارات اللافتة، وصاحب الإهداءات المميزة للأصدقاء والمحبين. وكأن الكلام لا يأتي جميلاً ورائعاً وعذب القراءة قبل أن يطرح التحية والسلام والإهداء على الجميع. يقول الإهداء: «إلى أولئك الذين يتطلعون لشمس ضفاف بعيدة، أبصروا الله وأفشوا السلام وتأملوا زرقة الماء». ناصر جبران يأتي من بين الحروف والكلمات مثل نسمة بحرية زرقاء، متسربلاً بالحب والجمال والسلام كعادته. عرفته كما عرفت البحر والموج والأشرعة، فهمته كما فهمت وحفظت صوت المجداف الذي يدفع القوارب إلى الأمام دائماً في رحلة الماء، مضيء ومنير دربه تماماً كدروب الأشرعة البيضاء على صفحة ماء/‏ بحر الخليج العربي، لا يأتي هذا العزيز الجميل إلا مثل سناء شروق الشمس، ولا يرحل إلا مثل خد الغروب المزدان بحمرة الورد. ناصر جبران أطل على معرض الشارقة هذا العام، وكأنه على موعد مع الرحيل. ترك إصداره الجديد بين أيدي الجميع، ليقول لهم وداعاً أو إلى اللقاء. مقتطف صغير من إبداع ناصر يكشف عن جمالية الرؤية والرؤى عند هذا العزيز المبدع، يقول: «وما فوق السحاب فلن تبخل السماء برحمتها، ولكن تحيد البحار عن فيض حكايتها للتراب». العمل القصصي الجديد والأخير لناصر جبران جاء في ثلاث قصص طويلة تتناول كل جوانب الحياة بمختلف ظروفها وأحداثها. يمسك ناصر بالأحداث ويسكبها في صياغة جميلة كعادته. أديب متمكن من أدواته غني بتجربته الأدبية والقصصية. والعمل الأدبي عنده لا يحكمه طول السرد أو قصره، وإنما الفكرة المبدعة والرؤية والمواقف الفكرية بغاياتها وأهدافها، فكم من سرد طويل وحشو كثير لا يقدم شيئاً يذكر، وكم من تركيز وإثراء إبداعي يظل مشعاً ومنيراً أزمنة طويلة ومؤثرة في القارئ في حاضر اللحظة وقادم الأيام. ثلاث قصص طويلة بالتأكيد سوف تجعل من أثر ناصر جبران حاضراً عند من عاصره وعند من سيكتشفه كل قارئ نجيب في الأجيال المقبلة. تبدأ مجموعة ناصر جبران الأخيرة بقصة «التيه الأسود» التي يتحدث فيها عن واقع اليوم وما يحيط بالخليج العربي والوطن العربي من شرور مستطيرة، وعن صناع تلك الشرور والمغذين لها، وما تركته على الناس والشجر والحجر من دمار وخراب، ثم قصته الثانية المعنونة بـ«دوار الشمس»، وتتبعها أخرى بعنوان «نبض الجدار». هكذا أطل علينا ناصر جبران بجديده في معرض الشارقة، لكي يبلغنا بأنه باقٍ بيننا، وإن كان على موعد مع سفر دائم.