هكذا هي الحياة.. ما بين رحيل ولقاء، وما بين حزن وغياب.. ترحل أسماء وتبقى ابتساماتهم باقية بين صفحات الذكريات.. وتغيب وجوه وتصمد صورهم في كل الأفئدة وفي ذمة بعض القلوب، ففي كل قلب هناك ذكرى وجرح، وبين كل يوم وآخر تصدمك الأخبار بموت فلان وإعلان أيام العزاء والمواساة.. وفي رياضتنا غابت أسماء ورحلت وجوه وتركوا خلفهم إرثاً لا ينسى.. منهم من رحل بصمت وبهدوء.. لا يودع ولا يعانق.. فحتى برحيله فهو لا يريد أن يزعج أحداً!
قبل أيام أعلنت وفاة رياضي إماراتي مغمور اسمه نبيل فكري.. بعد صراع مع المرض، سافر للعلاج وعاد إلى وطنه وهو مغمض عينيه للأبد!
قد لا يعرفه إلا قلة، لا يظهر ولا يتحدث في الإعلام.. يقوم بتأدية مهامه والقيام بواجباته بصمت، من دون أن يطالب بتكريمه أو ترقيته أو تنصيبه في مراكز ومواقع مرموقة بعد كل تلك السنين.. قرابة الثلاثين عاماً من أجمل أيام عمره وسنوات شبابه وهو يعمل في قطاع المراحل السنية إدارياً ومشرفاً ومسؤولاً، كغيره الذين قضوا كل سنوات عمرهم في الأندية.. ينتهي من وظيفته ظهراً فيذهب مباشرة إلى النادي حتى وقت متأخر من المساء.. يتابع «الأولاد» إدارياً وفنياً وحتى اجتماعياً.
الراحل نبيل فكري هو إداري ومشرف في قطاع الناشئين بنادي الشباب في بداية التسعينيات.. منذ جيل خميس سعد وجمعة راشد وإبراهيم هبيطة وغيرهم من الأسماء لتمر عليه السنوات، ترحل إدارات وتأتي غيرها.. تتعاقب المحطات وتتغير المسميات وتتبدل الحال من الهواية إلى الاحتراف، وهو لا يأبه لكل ما يحدث حواليه، مدركاً وظيفته وأدواره جيداً.. كل ما عليه أن تبقى أبواب نادي شباب مفتوحة لكل الصغار ولكل من اختار أن تكون لعبة كرة القدم حلمه ومستقبله.
كم نبيل فكري في أنديتنا؟.. كم رجل مخلص عمل وأفنى كل شبابه في الظل بعيداً عن الأضواء والنور، يقدم واجبات سخية وأدواراً عظيمة في أنديتنا، ليرحل بعدها بصمت.. ستجد أمثاله في كل مكان، لا يتكلمون كثيراً ولا يمتعضون وليس لديهم شروط وطلبات وعقود، كل همهم أن تستمر رسالتهم ويحققوا الحلم لكل الصغار الذين تلقوا أولى خطوات الحياة في الملاعب على أيديهم.
ارحل يا «نبيل» فهذا ليس زمانك.. فالرسالة تغيرت والأحلام تبدلت والقلوب الطيبة لم يعد لها مكان بيننا.. ارحل واترك لنا ابتسامتك الصادقة.
كلمة أخيرة
ابحثوا في أنديتكم.. ستجدون أمثال «ابن فكري» بينكم كثر وأنتم لا تدرون.. كرموهم واعطوهم حقهم قبل أن تأخذهم الدنيا ويرحلوا بصمت!