أحال «مارثون أدنوك» شارع كورنيش أبوظبي إلى منظومة بشرية تنطلق في صباح مفعم بالهواء البارد، الممتزج بسحر زرقة المياه الشاسعة، وأمواجها المشاكسة، وارتاد البشر المكان، وكنا كما لو نبحر بين المتسابقين، الفائز منا الكل، ولا خاسر بيننا، يتماهى التحدي، والألفة تحضر بالمعنى العائلي والفردي، وفي صورة أبهى تتلاقى لغات بشرية مع بعضها بعضاً، وتحلق بالبهجة والسرور، في وطن ترفرف راية السلام فيه عالياً، حيث يفد إليه الجميع من كل صوب وحدب، مستبشرين خيراً.
لم تخذلني مسافات السباق الطويلة، ولم أستسلم في ذاتي أمام انطلاقة بلا هوادة، ولم أستذكر المكان وأنا جزء منه، كما لو أن البحر يعزف ناي الذكريات، النخيل الباسق نبت من جديد، وأصبح أكثر زينة من قبل، وبقت الصورة القديمة في السباق تراودني، كنت هنا في هذا الركن الهادئ من كورنيش أبوظبي أفد باستمرار، أتلقى الأفكار التي تحضر، لأكتب أو أقرأ أو أجلس أحادث البحر.
بدأت مبكراً قبل أن يحضر أبنائي، أصحاب الدعوة، والتي لم تكن دعوة ملحة بيننا، بل منذ عام وأنا أضعها ضمن أجندتي، وما أن أعلن عن السباق حتى تقدمت الصفوف، وكأنني أمام انطلاقة شقية، لم أعرف مثلها منذ زمن بعيد، ولا تفصلني عنها السنوات المكتظة بالحياة.
تجسدت الرؤى في ذاكرتي من جديد، وعمقت أفكار الحياة، وروح التحدي، وأنفاس الحرية التي تحتاج أن تلامس أفكارك المختلفة، حتى لا تصاب بغربة الحياة، وتنمر القلق، وأن تكسب بالرياضة وحدها الطمأنينة، أن تفاجأ نفسك وأن تكافئها وأن تظل تتماهى مع الحياة أينما وجد الحلم.
حين بدا لنا خط النهاية شعرنا بخطى بطيئة استنفدت كل مساراتنا وأجهدتنا، منا من تراجع عن المضي في السباق، ومنا من أكمل، يحثنا صاحب مكبر الصوت، يستفد طاقاتنا، يستنفر قوانا وما تبقى من طاقة حبست فينا، كان أقصى ما تبقى أن نرى المسار ينتهي، ولا ينتهى، والمسافة تبتعد بعيداً حتى تفاجئنا، تعلق الميداليات الرمزية على صدورنا، وتجسد فوزنا بمعنويات رياضية، تمنحنا الفرح بينما المارثون ذو الانطلاقة المتمكنة والشرسة والمتمرسة كان محاذياً لمارثوننا التشجيعي والذي هو أقرب إلى التجاذب مع الحياة الرياضية،أو يتحمل شيئاً من التعاطي الفكري مع ثقافة الرياضة المشوقة في تماهيها مع كوكبة جميلة من البشر، لتصل بالترابط الرياضي الثقافي إلى معناه الجميل والضمني.