الموضوع أكثر من مجرد اختلاف في الرأي، وإنما هو اختلاف في التصورات والتطلعات وبالتالي الأفعال -وهو أمر يختلف جذرياً عن أن تعبر عن رأيك في ذوق أو لون على سبيل المثال- وهذه هي حقيقة اختلافنا الأزلي والأبدي مع بعضنا بعضاً. الأمر يتعدى الرأي الذي اعتبره البعض ليس سبباً كافياً لانقطاع الود، حسب المقولة المعروفة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية». ولا أدري ما إن كان من أطلق هذه العبارة تصور أن اختلاف أفعالنا يجيز فساد الود المتبادل!
قضية الود في حد ذاتها تستدعي مبحثاً كاملاً، وتعريفها قد يذهب بنا إلى مناطق متباينة من حيث درجات اللقاء والمعايشة. قناعتي كاملة بأن المقصود بالودِّ الحبُّ المتبادل بكل ما في هذه الكلمة من احترام وإعجاب وتقدير وغيرها من القيم التي اجتمعت في هذين الحرفين، ولهذا فهي مفردة لا يليق استخدامها في عبارة اختلاف الرأي، وإنما اللطف هو القيمة الأنسب التي يجب أن تسود في حالة اختلاف الرأي.
ورغم كثرة ما كتب عن اللطف -وهنا أتحدث عن السلوك الصادر من البشر تجاه كل ما هو في محيطهم- فإن الحديث حوله كان أكثر بكثير من التعريف به، إذ يبدو لطيفاً غير مرئي إلا من خلال السلوك الصادر. ولتبسيطه أستطيع أن أعرفه بأنه المبادرات الإنسانية الناتجة عن حالة الشعور بالآخرين والتعاطف مع أوضاعهم. اللطف ليس فعلاً ساكناً، بل هو متحرك نحو الآخرين بإيجابية وخير وسلام.
أعود لموضوع اختلاف الرأي أو الفعل ودوره في فساد الود، وأنا هنا أختلف مع المقولة، كون أفعالنا المتباينة التي تأتي بنتائج عكسية مسيئة على بعضنا بعضاً مدعاة أكيدة لفساد الود، إذ كيف يمكن لعمل مؤذٍ لي ألا يفسد علاقة الود المتبادلة؟! ولكن هذا لا يعني إطلاقاً أن يكون مدعاة لغياب اللطف العام، وهو الأهم وخصوصاً أن تأثير اللطف أكثر اتساعاً وشمولية من تأثير الود.
عندما نختلف مع آخرين مهما كانوا لا يعني ذلك إطلاقاً تجاهلهم وتحقيرهم وعزلهم وإظهار العداء لهم، ولا يعني أيضاً في المقابل التودد لهم ومجاملتهم، وإنما من الضرورة إظهار اللطف العام بأن تبقى إنساناً، الأمر الذي ستعود فائدته عليك قبل أي أحد آخر، وهو القضية الأسمى التي يجب ألا تفسد.