من العتمة تولد شقائق النعمان، ومن رحم المعاناة تولد الإنجازات الكبيرة، وما للبدر من جمال سوى حلكة وسواد الليل، هكذا كان منتخب الأردن في النسخة الثامنة عشرة من كأس أمم آسيا، ملحمة وإلياذة وأسطورة.
وما كان مستحيلاً قبل حلول منتخب «النشامى» في قطر، أصبح اليوم حقيقة، مصداقاً لما أرتنا وعلمتنا إياه الدورات، من أن البطل يخرج من رحم البطولة، وليس من سراديب التاريخ. وصل منتخب الأردن إلى كأسه الآسيوية الخامسة، وليس في رصيده، ولو نسبة واحد بالمئة من الترشيحات، ليس للظفر باللقب، ولكن لمجرد الوصول للمباراة النهائية، بل إن أهله من خبراء ومحللين وإعلاميين، حتى لا أذكر الاستثناءات، ظلموه بمضاضة، وهم يحسبون أن خسائره في الوديات وبحصص كبيرة أحياناً، دالة على هشاشته ودونيته، فتركوه وحيداً يمشي، وما أعجزه المشي في حضرة الكبار، حتى صار ملكاً يمشي واثق الخطوات.
عبر منتخب الأردن الدور الأول كثالث المجموعة، وهو يخسر في آخر حلقة مباراة البحرين، فعاتبوا كثيراً المدرب المغربي الحسين عموتة، وما انتبه أكثر هؤلاء، إلى أن عود «النشامى» كان يتقوى مع توالي المباريات، فكانت الوثبة الأولى في ثمن النهائي بفوز هيتشكوكي على «أسود الرافدين»، ليكون الحسين عموتة ثالث المدربين العرب الذين أوصلوا منتخب «النشامى» للدور ربع النهائي، وبالفوز على طاجيكستان أصبح عموتة أول مدرب يقود النشامى للدور نصف النهائي، ومن ظنوا أن المسير المبهر سيقف عند عتبة النصف كانوا مخطئين، لأن منتخب الأردن سيهدينا مباراة أنطولوجية أمام التنين الكوري الجنوبي، توجها بفوز رقمي وتكتيكي وإبداعي، بل وخرافي على جوقة كروية ساحرة وباهرة يقودها مدرب ونجم المانشافت السابق يورجن كلينسمان، ليبلغ كما لم يتوقع أحد نهائي كأس آسيا للأمم، وفي ذلك وجه جميلة لعدالة كرة القدم.
الذين انتفضوا وملأوا الدنيا صخباً وعويلاً، ومنتخب الأردن يخسر ودية اليابان بسداسية، هالهم أن يكون منتخب الأردن قد استقبل خمسة أهداف في ست مباريات بإيقاعات جنونية. والذين ادعوا على منتخب النشامى في فترة التحضيرات الهشاشة والسذاجة وحتى الرعونة في التدبير التكتيكي، صعقتهم المنظومة التكتيكية المتوازنة دفاعياً وهجومياً، لفريق لا يهاب أحداً، لكوماندو يركب البحر ولا يخشى من الغرق، لمجموعة متلاحمة تسافر بالإرادة لحدود المستحيل لكي تأتي بالشمس في عز الليل. وكل الذين شككوا في قدرة منتخب «النشامى» على تجاوز حتى الدور الأول، ها هم يرونه طرفاً في النهائي الحالم، وهو بذلك لم يسرق تأهله، بل استحقه بفدائيته وبكرته الواقعية.
وأخيراً، في هذا المنتخب الأردني الذي يكتب اليوم التاريخ الجميل للكرة الأردنية، ما يدل على شخصية بل وعبقرية فكر مدربه المغربي الحسين عموتة، الذي يؤمن مثل المدربين الكبار أن المجموعة هي النجم الأوحد في سماء الإبداع.