وجدت حاجة لكي أعود مجدداً إلى النسخة الرابعة والثلاثين لكأس أمم أفريقيا، التي أسدلت ستارتها قبل أيام بتتويج «إيفواري» يجد سنده في كثير مما علمتنا إياه كرة القدم، من أن البطل لا يولد من رحم التاريخ، ولا يخرج من عباءة الترشيحات، وإنما يطلع ندياً ويافعاً من رحم البطولة ذاتها، حتى لو كان مولد اللقب قيصرياً.
أما الحاجة التي فرضت العودة إلى المونديال الأفريقي، فمردها الانطفاء الكامل لنجم المنتخبات العربية الخمسة التي أخذت لها مكاناً في خط الانطلاقة، وقد خلا منها الدور ربع النهائي، وما تلاه من أدوار، في واقعة لا نكاد نجد لها مثيلاً في الدورات الأخيرة، وأستدل هنا على سبيل المثال لا الحصر، بنسخة 2019 بمصر التي توجت منتخب الجزائر باللقب، ونسخة 2021 بالكاميرون، التي بلغ منتخب مصر مباراتها النهائية، وحجبت عنه خلالها ضربات الترجيح لقبه الثامن.
طبعاً اختلفت مسببات هذا الخروج الجماعي من الأدوار الأولى لخروج المغلوب، وتفاوتت درجات كارثية الإقصاء، إلا أن الحقيقة الصادمة هي أن المنتخبات العربية الخمسة، طبعاً مع التماس ظروف التخفيف للمنتخب الموريتاني الذي حقق إنجازاً تاريخياً ببلوغه الدور ثمن النهائي للمرة الأولى في ثالث حضور له بالمونديال الأفريقي، الحقيقة الصادمة أن المنتخبات العربية ترجلت من دور المجموعات، ومن الأدوار الأولى لخروج المغلوب، بسبب أنها لم تتحصن ضد موجبات الإقصاء، فجاء كل منها بما لا يسمح بالسفر بعيداً في أدغال بطولة، ندرك جميعاً أنها بطولة معقدة، بل ومركبة، ولا تحتمل سوى النسخ الأصلية.
كرر منتخب الجزائر للمرة الثانية توالياً خروجه من دور المجموعات، بسبب أنه لم يداوِ الصدع النفسي الكبير الذي حدث مع الإقصاء من الدور الأول لنسخة 2021، ومن آخر أدوار تصفيات مونديال 2022، فكان محاربو الصحراء ظل أنفسهم.
وكرس المنتخب التونسي مع خروجه الصاغر، التراجع المهول للمستوى المهاري للاعبيه، فقدم لنا نسوراً لا تقوى على التحليق، عالمياً وقارياً. 
وبدا منتخب مصر فاقداً الهوية، فقد أراد مدربه فيتوريا تجميل الأداء الهجومي، فأساء بشكل فظيع للمنظومة الدفاعية، حتى إن «الفراعنة» استقبل في أربع مباريات ما لا يستقبله عادة في ثلاث بطولات مجتمعة.
وأكد منتخب المغرب، وهو يسقط أمام أولاد جنوب أفريقيا في دور 16، أنه لم يخرج من جلبابه المونديالي، إذ عجز عن منح العنفوان والألق، وحتى النجاعة للنواحي الهجومية في الأداء، فكان بأضعف فعالية بين منتخبات الصفوة في تحويل الفرص السانحة لأهداف.
وحدهم «المرابطون» يستحقون التهنئة على شجاعتهم وجسارتهم، وهم يواصلون وثبتهم الجميلة في أدغال الكأس الأفريقية، لا يهابون لا زئير الأسود، ولا عواء الثعالب، ولا النسور الجارحة، على أمل ألا يتوقف العمل فينكفئوا كما انكفأ الجيران.