ماذا لو لم يسكن المطر ذاكرتنا، لينبش الوقت يقظة وترقباً، روعة تراوغ مسارات الغيم، أينما كانت طريقها، تهفو القلوب نحوها، تطارد صبيب الرذاذ، إذ ينقر برد الثلج أبواب البيوت وشبابيكها بمحبة، كانت هنيهات جميلة لا مثيل لها، نهضت على إثرها مدينة العين، بصوت الرعد ولمعان البرق، بانهمار مطر، يستعيد ذاكرة الزمن، في هطل عميم وبياض يمحو الجفاف، صخب يؤرق أحلام العصافير، ويسقط وريقات الشجر.
فجر ظللته الغيوم الداكنة، بجو شتوي، يسدل الستائر، على يوم مختلف، شيء من وشائج الهدوء يملأ الأفئدة، تعمرها الصلاة، ويلهج الدعاء، (سلام قولاً من رب رحيم)، طوق النجاة، ورجاء أن ينأى الضرر عن الممتلكات، بعد تأثر بلورات السيارات وتناثرها أحياناً، وصفحات برك الماء تلمع في بعض الحارات، بانوراما جميلة، من وحي المطر تشكل خيالات، ترسم لوحات ومشاهد، من جراء إبداع انسكاب الماء العفوي وهو يعانق الطين.
تجردت الأشجار، ملأت وريقاتها الأرض، فقد اصطفاها الماء وسقاها، واقتلعتها الريح وطرحتها أرضاً، ترى عروقها ناصعة البياض، يصعب تصديق ما حدث، تندهش القلوب لمشاهدها الجميلة، وتملأ النفوس تعجباً. يظل شتاء جميلاً، يرسم لوحة من بياض الثلج، يكسو ممرات الطرقات، يسطر منظر البهاء، ينقش الصحراء بشيء من البياض والسكينة. لم تألف أن ترى كرات الثلج تذوب بين كثبان الرمل، وتشق لها رؤوساً مائية تسير إلى آخر مسارات المطر في جريان الوديان، وتفيض بحب المشاعر. قلما ترى هذه المشاهد تحضر في الشوارع وبين البيوت رغم مسارب المياه، إلا أن المطر وما يشيع في الأفق من بهاء، وما ينشر من مناظر، لها مظهرها ومنظرها الجميل. وهكذا أخذت الحياة ألقها الأخّاذ، وتخلصت من الجفاف.
يا لهذا الطقس، لطيف هذا الوقت، يمد المدينة عذوبة تختلج، تجسر بهاءها، تسربل عهدها وتجدده بأجواء الواحات الحالمة، وفضاءات تبذر حبات المطر، لتسرد فصلها الشتائي في طور الحياة. مدينة تبتهج بالمطر مثلما تبتهج بالحياة، يحتفي نخيلها وواحاتها وتشرق شمسها على نسمات باردة خرافية، خيالية تكتم أسرارها وأبراجها التاريخية، ومكوناتها الممتدة عبر الزمن. مدينة تبتهج وتزدهي بأجواء المطر، بريقها من بريقه، وحسنها يكمن في أفلاجها الأثرية، يملأ قلبها بالحب، المطر يتلو بريقها وحاضرها وماضيها. يملأ فراغات الأودية، لتموج في سحرها الصحراوي المعتق بالسكينة والطبيعة الهادئة.
نسائم الشتاء تأتي المدينة بالفرح والجمال، هذا ما يرسم معالمها.. المطر يلفها بنسيج الحياة.. يمدها ويزيدها جمالاً إلى سحرها المشرق المشوق، إلى كثبانها الشاهقة.. بريق آخر للمطر، وجه متجدد لجمال مدينة تهفو إليها القلوب ويسكن ربوعها الحب والشغف والجمال.