وأنا أشاهد مستمتعاً ومتوتراً مباراة النصر والعين، في إياب ربع نهائي دوري أبطال آسيا، بفصولها المجنونة، وبتقلباتها التي تصيب بالهوس والدوار، تذكرت نهائي دوري أبطال أوروبا في إسطنبول التركية، الذي جمع منذ 19 عاماً بين ميلان الإيطالي وليفربول الإنجليزي، النهائي المصنف أحد أمتع وأجمل المباريات النهائية لأمجد الكؤوس الأوروبية.
ما كانت مباراة النصر والعين ترسله من رياح ولواقح، وما كانت تحيكه في دقائقها المجنونة من إثارة تُصيب بالرعب، ذكرني بذاك النهائي الملحمي بين ميلان وليفربول، الذي أعطى لقباً تاريخياً لـ «الريدز»، والقصد هو تعاقب الفصول في زمن قياسي لإعطائنا مجسماً جديداً للدهشة، والحقيقة أن كرة القدم تعطينا في كل يوم تعريفاً جديداً للدهشة، فلا عزاء لمن يصفون بعض مباريات كرة القدم بأنها «دراما» لا تتكرر، قد لا تتكرر بنفس الصورة والملامح.
في ذلك النهائي الأوروبي المجنون، تقدم ميلان في الشوط الأول بثلاثية، كان حظ هيرنان كريسبو المدرب الحالي للعين هدفين، وبينما اعتقدنا جميعاً أن ميلان ختم على تتويجه بالكأس بالشمع الأحمر، هو من ينتمي إلى قبيلة «الكاتناشيو الدفاعي»، خرج «الريدز» مثل المارد من فانوسه السحري، لينشر في المدى سحراً لا يجارى، فقد نجح في مشهد غريب، في تسجيل ثلاثة أهداف عادل بها النتيجة، وعند اللجوء إلى ضربات الترجيح، كافأ الحظ، إن جاز الحديث عن الحظ، ليفربول على شجاعته، ووقوفه شامخاً أمام عاديات الكرة، بأن توّجه وقتها بالقلادة الأشهر بين كل القلادات الأوروبية.
هذا الشموخ هو ما تجسد بالكامل، في نادي العين، وهو يذهب إلى الرياض، ليدافع عن فوزه  الذي حققه باستاد هزاع بن زايد، بهدف سفيان رحيمي، فقد استهل المباراة بحزام دفاعي لا تقوقع ولا استكانة فيه، إذ لم يخف مخالبه الهجومية، هو من يملك طائر نورس اسمه سفيان رحيمي، يستطيع أن يشعل النيران في دفاعات النصر، وفعل ذلك مرة ومرتين، لينشر «البنفسج» بعد 45 دقيقة بهدفين له رعباً في مسرح الدهشة، ولنشهد بعدها «ريمونتادا» رهيبة للنصر، جعلت المباراة مثل الأرجوحة الدوارة، أو أمواج البحر في تكورها بالمد والجزر، إلى أن اختتمتها ركلات الوجع بإعلان العين متأهلاً إلى نصف النهائي.
في مقالتي الأخيرة، اشترطت لعبور العين، حاجز النصر في استاد الأول بارك، السيطرة على العواطف، والاستغلال الأمثل لفترات القوة، والتحلي بالبطولية التي تهبها مرجعية وتاريخية العين للاعبين، وكل تلك الأشياء حضرت على مدى 140 دقيقة من زمن الحوار الكروي المجنون، لنشهد مباراة ستخلد طويلاً في ذاكرة كرة القدم الآسيوية، بحقائقها الجميلة وميلادها السحري الذي يخرج من رحم الوجع والانتظار، مباراة كنا خلالها شهوداً، على أن العين إن طلب «النصر» حضر، وإن غازل القمر له سهر، وإن رأى المجد في الأفق إليه عبر.