على غرار قصة «النملة» الشهيرة التي يضرب بها المثل في دورات ودروس وورش «الموارد البشرية»، هناك قصة «شايب المطرقة» التي تُتداول عند مناقشة مواضيع دور وقيمة الخبرات المتراكمة، وهي مجرد قصص تُورد للاستشهاد والاستفادة من دلالاتها والغاية منها.
وقصة «الشايب» تروي باختصار تعطل محرك باخرة عملاقة، فاستعان أصحابها بالكثير من الميكانيكيين والفنيين لإصلاحه من دون جدوى، فتذكروا عجوزاً يعمل في أحد أحواض إصلاح السفن منذ أن كان يافعاً، فاستدعوه ليباشر العمل على الفور. فلما وصل فحص المحرك بشكل كامل ودقيق، وكان هناك اثنان من ملاكها يراقبانه.
بعد انتهاء العجوز من فحصه الشامل للمحرك توجه لحقيبة كبيرة لا تفارقه وأخرج منها مطرقة صغيرة وبهدوء من عركته السنين طرق على مكان محدد من المحرك الذي عاد للعمل على الفور، أعاد مطرقته للحقيبة وغادر المكان، ليرسل بعد ذلك للشركة فاتورته التي استغرب واستكثر أصحابها المبلغ الذي يطالبهم به، 10 آلاف دولار عدوه كبيراً قياساً بما قام به، فطلبوا منه فاتورة تفصيلية، أرسلها لهم بعد ذلك وأوضح فيها أن كلفة الطرق بالمطرقة دولاراً واحداً فقط بينما تحديد مكان الطرق 9999 دولاراً. قصة رمزية للدلالة على قيمة الخبرات المتراكمة عند أي شخص في المجال والاختصاص الذي يجيده درجة التمكن ويميزه عن غيره من العاملين.
لدينا في الإمارات تجارب ملهمة للعديد من الجهات والشركات والمؤسسات الحكومية في حسن الاستفادة من الخبرات الوطنية حتى بعد خروجها للتقاعد بحكم اللوائح لبلوغها السن القانوني، وكذلك لرفد مواقع العمل بدماء جديدة، مستفيدين ممن سبقهم، ولعل أحد أنجح وأكبر هذه التجارب، تجربة قواتنا المسلحة بالاستفادة من شرائح واسعة من متقاعديها في «الوحدات المساندة». كما كنا يوم أمس مع تجربة إماراتية ملهمة جديدة في حسن تقدير المتقاعدين والاستفادة من خبراتهم بإطلاق وزارة الخارجية «مجلس الدبلوماسيين المتقاعدين»، وذلك سيتولى توفير خدمات لهم وفي الوقت ذاته لاستثمار «خبراتهم ومعارفهم المكتسبة خلال سنوات عملهم مع الأجيال الجديدة من الدبلوماسيين».
تجارب إماراتية ملهمة تنطلق من حكمة البدايات ورؤية البناء على ما سبق من نجاحات بعيداً عن مدارس وممارسات الارتجال التي تراوح مكانها في دوائر الإخفاق لافتقارها للمسار الواضح والصحيح لأنها ببساطة تفتقر لقواعد العمل الصحيح المستند لتجارب السابقين والرائدين في ذات المجال والميدان والتي قامت على خبرات ممتدة ومتراكمة عبر السنين.