الإنسان كائن اجتماعي كما يقول أرسطو. ولكن كي تكون اجتماعياً عليك أن تبدو إنساناً قبل كل شيء، وأن تتخلص من نفايات عصر الغاب كما قال فرويد. هذه هي المعضلة الكبرى التي يواجهها الفرد اليوم وهو يذهب إلى الحياة. فالعقل البشري برغم ما حقق من إنجازات مادية، وصناعية وتطور، فهو لم يزل يخضع للاشعور جمعي مؤسس على ثقافة بدائية، فعندما تلجأ الدول إلى تكديس السلاح الفتاك، وتعمل على إرهاب الآخر، بقوة الآلة القاتلة فهو لم يزل منغمساً في العدوانية القديمة، ولم يزل يعيش حالة التناقض، ما بين سعيه للخروج من صهد الانعزالية وبين رغبته الكامنة بأن يكون مسيطراً على الآخر. هذه النزعة لم تأت من فراغ بل هي تكمن في غابة الماضي وشهوة الافتراس. الإنسان لا يكون هو إلا إذا تحرر من مغبة المقارنة بمعنى تخلصه من رغبة أن يكون الأفضل، من سواه، لأنه في هذه الحالة يقوم على تكسير جدران الآخر، وتهشيم منجزاته، ليكون هو الأقوى، وفكرة الأقوى هي صورة العالم، كما يراه الكائن المتوحش الذي لا يرى في الآخر غير مادة للافتراس، وبالتالي يقوم الفرد المنعزل على تجسيد شخصية مخالفة لتكوينه البشري، منحرفاً صوب الحالة الحيوانية، فإما أن يكون مسيطراً، أو خاضعاً، وفي كلتا الحالتين هو لا يمثل نفسه وإنما يعكس صورة الآخر الذي يخافه، ويهابه، ويخشى سطوته، وبصورة غير مباشره هو يقوم على تشكيل شخصية مبهمة، وغير واقعية وهي شخصية الإنسان المقلد، والإنسان الذي غادر منطقة الأنا الحرة إلى شخصية الإنسان الذي انحنى للموجة، فغطس في قاع البحر. نحن في ضياع الأنا نصبح مثل الحمل الوديع وسط القطيع، إنه يندس في المجموع كي لا تراه المفترسات، ولكن القطيع في حالة الفزع جراء الإحساس بالخطر، يترك الضعاف بين مخالب المفترسات، لينجو من الموت. وهكذا هو الإنسان الذي لا يريد أن يكون هو، يظل منهمكاً في التبعية للآخر، ويستمر هكذا عضواً سلبياً، هامداً بلا إرادة تحدد شخصيته وتؤطر ملامح الكينونة وهي التي تحدث عنها سارتر، بقوله أن تكون في الموقف أنت وليس غيرك، وأن تبذل ما تملك من إرادة لتخرج من حومة الصورة لتكون أنت الأصل. نحن نحتاج إلى القلق ولو بالقليل، لأنه يحدد وعينا بالحرية يضعنا في المسار الصحيح الذي يخدم حاجتنا إلى الحياة، ويقدمنا للعالم كأفراد لنا سمة الفردانية، وليست الشخصانية، والأخيرة من صناعة الآخر الذي يريدنا صورة طبق الأصل له، وهذه هي المشكلة المعرقلة للتطور، ولإذكاء الإبداع الفردي والذي يصب في خانة الوطن. نحن أشقياء عندما نقلد، ونحن سعداء عندما نعيش كما نحن لأننا نصبح من غير أعباء وهمية، ومن غير أحمال خيالية تقصم الظهر، ولا تدع العقل يفكر بحرية ومن دون شروط خارجية.